وهناك من كانت تدفعه إلى طلب العلم تقاليد الأسرة، فإذا كان الوالد من العلماء فالغالب أن ابنه سيقلده في ذلك، وبوحي منه في أغلب الأحيان، والتعلم في هذه الحالة يصبح وراثة. وقد كانت بعض الأسر تتوارث العلوم، كما كانت أسر أخرى تتوارث التجارة والمهن الأخرى.
ولعل من سيئات التعليم في العهد العثماني كون المتعلم لا يجد بعد تحصيله ما يفعل به. وإذا تخرج المتعلم يظل غالبا بدون عمل يناسب علمه. وخلال ذلك قد ينسى ما تعلمه وأفتى عليه فصلا طويلا من حياته، فإذا كان محظوظا نال به وظيفة الإمامة أو الخطابة في أحد الجوامع أو القضاء أو وكالة وقف من الأوقاف، وهناك بالطبع بعض الوظائف الأخرى مثل الكتابة في بعض المصالح الإدارية ولكنها وظائف محدودة جدا لأن من شروط التوظف فيها كون طالبها من الأتراك ولأن معظم المعاملات في الإدارة كانت باللغة التركية. ولم يكن الكتاب الإداريون في حاجة إلى ثقافة عالية، بل كانت تكفي فيهم الموهبة الأدبية وحسن الخط ودقة النسخ, كما أن الحكام العثمانيين قد عملوا على توظيف بعض المشارقة والمغاربة (أي غير الجزائريين) في بعض الوظاف الإدارية وحتى الدينية بينما كان بعض علماء الجزائر يعيشون بعلمهم خارج بلادهم كما سنرى.
وما دام العلم لا يؤهل لأعمال اجتماعية وسياسية واقتصادية بارزة فإن أصحابه كانوا يكتفون منه أحيانا بما حصلوا عليه، فتضمر مواهبهم وينضب معينهم ويتجهون وجهات أخرى في الحياة لا تحتاج إلى غزارة العلم أصلا.
[بعض كبار المدرسين]
أشرنا إلى أن بعض العلماء اشتهروا بالتدريس أكثر مما اشتهروا بالتأليف. وإذا كانت شهرة المؤلف بكتبه وآرائه وموضوعه وأسلوبه فإن شهرة المدرس بطريقته وتلاميذه وفصاحة لسانه واطلاعه الواسع على الموضوع الذي يعالجه. وقلما كان العالم يجمع بين التأليف والتدريس. ومن الذين جمعوا