أصالتهم ومعتزين بهويتهم رغم حالة الرعية والبؤس التي كانوا عليها. ومن هذا الجيل برز محمد بن رحال ومحمد بن العربي، وحميدة بن باديس، وكانت دروس المجاوي وأمثاله تكون جيلا آخر سيقف بالمرصاد ضد موجة التفرنس التي انطلقت مع فاتح القرن. وسيكون أصحاب هذه الموجة هم بلقاسم بن التهامي، وعلي بوضربة، وإسماعيل حامد، والطيب مرسلي. وكان هؤلاء يسمون بالنخبة (elite)، وهو اسم خادع، فهو من التعابير الموروثة عن العهد الاستعماري مثل التقدم المقصود به الاندماج، ومثل التعاون المقصود به الاستعمار الجديد. كما أن تعبير (النخبة) يعني أن غيرهم غير نخبة، ومن ثمة يكون غيرهم متخلفا ومنغلقا على نفسه.
[نماذج من المثقفين والاندماجيين]
محمد بن رحال: يعتبر محمد بن رحال من أبرز عناصر هذا الجيل الذي أراد الفرنسيون أن يجعلوا منه وسيطا بينهم وبين الجزائريين، فجمع بين الثقافتين وبين اللغتين، وتوظف عندهم، ولكنه لم يتخل عن أصوله وتراثه الوطني والديني. فرغم الجاه العائلي والمكانة الاجتماعية كان ابن رحال صوت الجزائر العميقة وصوت التاريخ، ولم ينسه الوظيف والاعتبار المعنوي لدى الفرنسيين الدفاع عن الثقافة واللغة العربية والحضارة الإسلامية. ولم يكن في ذلك وحيد زمانه وإنما كان أكثر معاصريه تعبيرا عما يجيش في صدور المواطنين من تطلعات. كان يمكن أن يذوب في الثقافة الفرنسية وينبهر بالنظم والمخترعات الفرنسية، ولكن حصانته العربية الإسلامية وارتباطه بالجذور جعلته يدعو إلى التطور وليس إلى الاندماج ويواجه الفرنسيين في مختلف المناسبات بمطالب هي من صميم الانعتاق للشعب.
حياة محمد بن رحال ذات جوانب عديدة. فهو رجل علم ودين، وهو قايد ونائب مالي (برلماني)، وهو مؤلف وباحث وأديب، ثم إنه رجل مدافع