عن العربية والإسلام في وقت اعتقد فيه الفرنسيون أن أمثاله لن يدافع إلا عن الفرنسية والاندماج. كما كان ابن رحال صاحب زاوية. ولا نريد أن نعالج كل ذلك هنا، لأن كل جانب من حياته له مكانه في هذا الكتاب، وإنما نكتفي في هذه الفقرة بموقفه من الحضارتين العربية والفرنسية. فقد ولد بمدينة ندرومة سنة ١٢٧٠ هـ ١٦ مايو، ١٨٥٧. وكان أبوه حمزة بن رحال من رجال القضاء للأمير، وكان أيضا أديبا ومن أتباع الطرق الصوفية يقول البعض إنها الدرقاوية ويقول آخر إنها القادرية (١). وعندما دالت دولة الأمير أبقاه الفرنسيون على وظيف القضاء، ثم ولوه وظيفة الآغا، وزادوه بسطة في الأرض والمال خلال الخمسينات. ولكن مرسوم ١٨٦٣ غير الأوضاع وجعل الأرض تنتزع من أصحابها باسم الملكية الفردية. فتأثر الشيخ حمزة وترك الأمر في سنة ١٨٧٨ لإبنه وخليفته محمد الذي لم زد لقبه على لقب القايد بدل الآغا، إضعافا لمكانة العائلة، ولكن محمد ضاقت نفسه بهذا المنصب الفارغ من المحتوى فاستقال منه سنة ١٨٨٦ وتفرغ بعده للحياة السياسية والدينية والعلمية.
عنى الشيخ حمزة بابنه محمد فرباه تربية قديمة وجديدة وحصنه من الذوبان رغم المغريات. فعلمه في المدرسة القرآنية بالزاوية، وفي المدرسة العربية - الفرنسية الابتدائية، ثم أرسله إلى الجزائر حيث المدرسة السلطانية (الكوليج) التي كانت تستقبل أبناء الموظفين الجزائريين لتجعل منهم وسطاء، كما قلنا، وكانت مدرسة مزدوجة اللغة. وقد صادف وجوده فيها سقوط نظام نابليون وقيام الجمهورن الفرنسية التي ألغت المدرسة وألحقت طلابها بالليسيه. ولذلك أكمل محمد دراسته في هذه الثانوية (الليسيه)، وبعد تخرجه منها سنة ١٨٧٤ رجع إلى ندرومة ليساعد أباه في وظيفه، فكان خليفته إلى أن تخلى له الوالد عن المنصب، كما ذكرنا.
(١) درقاوية عند عبد القادر جغلول في (عناصر ثقافية)، الجزائر ١٩٨٠، ص ٥١ - ٥٢. وقادرية في جريدة (المساء) ١٤ يوليو، ١٩٩٢، مقالة مغفلة الكاتب.