والماسونية، وغيرها. وقد كان لها جميعا صداها القوي أو الضعيف بين بعض السياسيين الجزائريين والكتاب، ولا سيما النخبة الاندماجية. وهدفنا من ذلك هو بيان أن المجتمع الجزائري لم يكن بمعزل عن الحياة المعاصرة، رغم القيود التي كان يرسف فيها، مثل قوانين الاندجينا.
لقد تعرضت شعوب كثيرة إلى الغزو الفكري والاضطهاد بشتى الوسائل في القديم والحديث. وكان منها شعوب تتمتع بحصانة ذاتية فقاومت حتى انتصرت، ومنها شعوب كانت فاقدة للحصانة الذاتية فذابت في غيرها واندثرت. والشعب الجزائري تعرض، في غفلة من الزمن وأمام تخاذل حكامه الذين تركوه نهب الأقدار في براثن العدو (١)، إلى محاولة جادة وحثيثة للإذابة والإزالة، ولكنه قاوم حتى انتصر. ولذلك فإن الأفكار المدمرة التي سلطت عليه منذ اللحظات الأولى للاحتلال لم تنل منه في النهاية.
[(نعمة) الاحتلال؟]
معظم الفرنسيين، ومعهم بعض الأوروبيين، اعتقدوا أن احتلال الجزائر كان نعمة وبركة على أهلها، بينما اختلفت وجهة نظر الجزائريين أنفسهم حول الموضوع: فهل كان الاحتلال نعمة أو نقمة؟ سوف لا نستوعب الجواب على هذا الموضوع، ولكننا نذكر بعض الآراء من هنا ومن هناك ثم نتركها مفتوحة للنقاش.
جاء الفرنسيون إلى الجزائر بمجموعة من النقد التي كانت متراكمة عندهم منذ العصور الوسطى حول العرب والمسلمين والشرق والشرقيين، وحول الأمم المتحضرة والأمم المتبدية. وكانت عقائد الحروب الصليبية ما تزال حية في أذهانهم وفي كتبهم وفي معاملاتهم مع أهل جنوب البحر الأبيض المتوسط. وكان وجود المسلمين في جنوب فرنسا منذ الفتح
(١) استسلم حسين باشا وحكومته وتخلت الدولة العثمانية عن حماية الشعب الجزائري الداخل تحت خلافتها وعهدتها.