للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإسلامي للأندلس، قد ترك آثاره في الأقاصيص التي تروى عن شارل مارتل وعبد الرحمن الغافقي، وفي حكايات شارلمان وهارون الرشيد. كما أن الوجود العثماني في أوروبا الشرقية وفي الجزائر جعل ذكرياته غير مسرة للفرنسيين رغم أن ملوكهم (مثل فرانسوا الأول) كانوا متحالفين أحيانا مع سلاطين آل عثمان. وكان التقدم التقني والتجاري للفرنسيين قد أدى إلى التقدم في ميادين أخرى كالآداب والفنون والفلسفة، والتوسع البحري مما أدى إلى نمو الحس القومي. وكانت الثورة الفرنسية قد حررت الفرنسيين من عقد أوروبية عديدة، ولكنهم ظلوا يحملون عقدا متراكمة نحو الشرق والعرب والمسلمين. وما حملة نابليون الفاشلة على مصر وتخطيطه لاحتلال الجزائر ومعركة نافرينو إلا علامات فقط على هذه العقد وعودة فرنسا إلى ممارسة الحروب الصليبية بطريقة جديدة.

وكان احتلال الجزائر، بعد فشل حملة مصر وهزيمة واترلو وتحجيم الخريطة الفرنسية في مؤتمر فيينا، قد أطلق الكبت الفرنسي من عقاله. وهكذا كانت تصرفات الجيش والمدنيين الفرنسيين تصرفات تدل على شذوذ غريب في العلاقات الإنسانية. فالمسألة هنا ليست مجرد احتلال أرض واستعباد شعب، ولكنها مسألة انتقام من الماضي كله: من فشل الحروب الصليبية، وهزيمة واترلو، وهزيمة الحملة على مصر، والهزائم الفرنسية القديمة أمام الجزائر، ثم الانتقام من احتلال العرب والمسلمين لأجزاء من فرنسا في القرون الوسطى. لقد كان الفرنسيون سنة ١٨٣٠ لا يحملون أحقادهم فقط ضد الجزائريين، كعرب ومسلمين، ولكن أحقاد رجال الكنيسة والملوك والقادة والرعاع الذين تحطمت أحلامهم في السيطرة على الشرق وعلى العالم الإسلامي أثناء قوته.

ومن جهة أخرى اعتقد الفرنسيون أنهم في الجزائر أصبحوا خلفاء الرومان وأحفاد القياصرة. ورغم عدم تدين الفرنسيين الظاهري فإنهم كانوا يعتبرون أنفسهم ورثة القساوسة والرهبان الذين كانوا على رأس الكنيسة (الكاثوليكية) في بلاد البربر. وقد رأينا أن تصرفاتهم وتصريحاتهم الأولى

<<  <  ج: ص:  >  >>