للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانت كلها تصب في هذا التيار، أي استعادة مجد الكنيسة ومجد رومة. فكل قائد فرنسي في البداية كان يعتبر نفسه شيبيو الإفريقي، وكل قسيس كان يعتبر نفسه القديس أوغسطين أو سيبريان. وقد عاملوا الجزائريين كما عامل الرومان البربر في القديم، ولكن أحقاد الفرنسيين المتراكمة ضد العرب والمسلمين تجمعت هذه المرة ضد الجزائري باعتباره من البربر المتعربين والمسلمين، أي أنه أضاف إلى العنصر البشري (المتخلف) كما كان في العهد الروماني عنصرا جديدا للسخط عليه، وهو اعتناقه للإسلام وتبنيه لغة القرآن. إن كل تاريخ الاحتلال الفرنسي في الجزائر هو في الواقع تاريخ لمحاولات القضاء على هذه (الهوية الجديدة) التي أصبحت تميز الإنسان الجزائري العربي المسلم (البربري سابقا). فكل قوانين التجنيس، وإجراءات الدمج في الكيان الفرنسي، والانتقاص من الحضارة العربية الإسلامية إنما كانت تذهب هذا المذهب وتعمل على تجريد الجزائري من هويته الجديدة.

وزاد من انطلاق الكبت الفرنسي سهولة نجاح حملتهم ضد الجزائر وسقوط حكومتها بدون حرب تقريبا، ورضى حاكمها بالسلامة الشخصية، واغترار بعض أعيانها بوعود القائد الفرنسي. فرغم الضعف الذي كانت تعانيه حكومة الجزائر عندئذ - اقتصاديا وعسكريا- فإنها كانت تبدو مستعدة لمواجهة الحملة الفرنسية وإفشالها بالأسلوب الذي تعاملت به مع الحملات الأوروبية والأمريكية، وآخرها كانت حملة ١٨١٦. ولكن اتضح بعد نزول الحملة الفرنسية في سيدي فرج غربا، بدل نزولها في البرج البحري شرقا، أن الاستعدادت كانت غير كافية وأن الخطة الدفاعية كانت فاشلة، وأن العاصمة أصبحت في حاجة إلى معجزة لإنقاذها. فالعدو الذي اجتاز البحر بسفن جرارة ونزل أرض عدوه بدون مقاومة، تصبح إعادته إلى البحر مسألة مستحيلة تقريبا. ثم إن نزول العدو بالطريقة المذكورة كشف عن ضعف جديد أيضا في المقاومة الجزائرية، وهو زعزعة الثقة بين الحاكم والمحكوم. إن المسألة لم تعد مسألة جهاد يدوم أياما ويتناوب عليه الجيش والفلاحون والمتطوعة لدفع العدو خارج تراب الوطن، ولكنها أصبحت مسألة الشعور

<<  <  ج: ص:  >  >>