للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالولاء الوطني نفسه والثقة في الحاكم، بل مسألة وجود شعب ودولة بالمعنى العصري للكلمة. لقد كان للجزائر حكام وشعب ونظم قائمة وإدارة مركزية وأخرى إقليمية، ولكنها كانت تفتقر إلى التماسك الصلب والإحساس بالتلاحم بين السلطة والمواطن دفاعا عن الوطن الواحد. وهذه هي نقطة الضعف التي أدت إلى تلاشي المقاومة الأولى والتي وجد فيها العدو ثغرة للدخول منها إلى العاصمة واحتلالها. أما المقاومة التى تولدت بعد ذلك فلا تهمنا الآن.

والأحكام الأولى التي صدرت عن الفرنسيين (المنتصرين) تبرهن على روح الانتقام التي أشرنا إليها وعلى الشعور بالتفوق والتعالي. فكتب كتابهم عن هذا التفوق وتجسم ذلك في قوانيهم وأحكامهم على أنهم أعلى درجة في التطور الاجتماعي والحضاري من الجزائريين (الأهالي) - الأندجين -، وأنهم هم فقط المتحضرون، أما الجزائريون فأجلاف. وإن أخلاقهم مهذبة وأخلاق الجزائريين غليظة، وأن حكامهم ديموقراطيون وحكام الأهالي طغاة ومستبدون، وإن لهم ذوقا رفيعا وللأهالي ذوقا منحطا، فلم يعجبهم لا دين الأهالي ولا لغتهم ولا موسيقاهم ولا معاملاتهم ولا منازلهم ولا نساءهم ولا أشكالهم. ومع ذلك اعتقدوا أن دراسة مجتمع الجزائريين وحضارتهم ستفيدهم في دراسة المجتمعات البدائية، كما اعتقدوا أن تلك الدراسة ستقدم إليهم صورة حية عن ماضيهم وأن دراسة المجتمعات المتدهورة يمكن أن تقدم درسا في التنمية المستقبلية وتكون إنذارا صارخا للفرنسيين يتعظون به (١).

وبالإضافة إلى التعالي والغطرسة وروح الانتقام، قام الاحتلال الفرنسي على عدة ركائز يحفظها الذين اطلعوا على أول صفحة من تاريخه في الجزائر. فالجيش قد وصل في عهد بوجو إلى ثمانين ألف جندي نظامي، ثم أضيفت إليه فرق مساعدة مؤلفة من المتطوعة الجزائريين [مرتزقة في أول


(١) آن تومسون (بلاد البربر وعصر التنوير)، ليدن، بريل Brill، ١٩٨٧، ص ٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>