فبعد أن أشار الدرعي إلى كونه يروي مرويات الثعالبي قال عنه:(جمع .. سلسلة الفقه على مذهب الإمام مالك جمعا لم يسبق إليه بعد ما حارت فيه فحول الأئمة كما هو معروف. فرفع الأسانيد من طريق شيخه الأنصاري إلى مشاهير أئمة المذهب المتأخرين ثم إلى من فوقهم في الشهرة والزمان على أسلوب غريب إلى أن وصلها إلى الإمام مالك ثم إلى النبي (صلى الله عليه وسلم). ثم ذكر
الدرعي ما جمعه الثعالبي في هذا الباب بلفظه على طوله (إذ هو ما يغتبط به لندارته ونفاسته وعزته وسلامته)(١).
والذي لا شك فيه أن عيسى الثعالبي، بسيرته العلمية ومؤلفاته وتأثيره الروحي على معاصريه، كان عملاقا في القرن الحادي عشر. فقد كان على رأس الأربعة الذين أحرزوا مكانة عالمية (في العالم الإسلامي) في وقتهم، وهم سعيد قدورة، وأحمد المقري، وعبد الكريم الفكون، ويحيى الشاوي. ولاشتغال الثعالبي خصوصا بالحديث وعلومه والسند ورجاله، ولانتمائه إلى حركة الزهد الإيجابي في ذلك الوقت نال رضى أهل الظاهر والباطن، سواء كانوا من علماء الكتاب والسنة أو من رجال التصوف. ولا غرابة بعد ذلك أن نقرأ في (خلاصة الأثر) أن للناس في الثعالبي عقيدة كبيرة وأن له بعض الكرامات. وإذا كانت هذه هي عقائد الناس فيه فهو لم يدع شيئا من ذلك على ما نعلم، فقد كان يملأ وقته بالتدريس والمطالعة في المكتبة الكبيرة التي جمعها وفي التأليف، وكل هذا في الوقت الذي كان فيه أدعياء التصوف في بلاده يستغلون العامة على جهل ويملأون الدنيا دروشة وخرافات. فعيسى الثعالبي، كنسيبه عبد الرحمن، قد جمع بين الزهد والعلم، وهذا غاية الصلاح.
[أحمد البوني]
وهناك عالم آخر بالحديث ورجاله لم يبلغ مبلغ الثعالبي فيه ولكنه
(١) الدرعي (الرحلة) مخطوط المكتبة الوطنية - الجزائر رقم ٩٩٧ ١، ورقة ٩٩ - ١٠٤. وعن الثعالبي انظر أيضا بروكلمان ٢/ ٦٩١، والأعلام ٥/ ٢٩٤.