للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بغداد (١)، ومع ذلك فلا نعرف أن أديبا قد وصفه نثرا وإنما وجدنا في وصفه أبياتا قليلة من الشعر سنذكرها في مكانها.

ومن المؤكد أن أدباء الجزائر قد تناولوا وصف الرياض والدنان والقصور والحيوانات بالنثر أيضا، وإذا كان جهدهم في هذا الباب قليلا، وإذا كنا لم نطلع على الكثير منه، فليس معنى هذا أنهم لم يحفلوا به، ولا نخال أدباء مثل ابن رأس العين وابن علي وابن ميمون وابن سحنون وابن عمار والمقري لا يسجلون انطباعاتهم في مظاهر الطبيعة والمجالس الإخوانية والمشاعر الإنسانية عند الحل والترحال، ولكن علينا أن نجد في البحث عن آثارهم لا أن نحكم بعدم وجودها ونخلد بعد ذلك إلى الراحة.

[الخطابة]

تعتبر الخطابة من أبرز فنون النثر في الأدب العربي، وكانت ميادينها وأغراضها متعددة، تشمل الدين والسياسة والاجتماع والعسكرية ونحو ذلك، وقد ألفت في ذلك الكتب مع وصف دقيق للخطيب وشروطه وفن الخطابة وشروطها أيضا، وقد عرف الجزائريون هذا النوع الأدبي عندما كان ساستهم يتحدثون لغة المواطنين ويحذقونها، وعندما كان علماؤهم متمكنين من قواعد اللغة متمرسين على استعمالها منذ نعومة الأظفار، فإذا ارتجلوا بها القول أجادوا مع رباطة جأش وفصاحة لسان وقوة كلمة.

ولكن مع مجيء العثمانيين انحصرت الخطابة في ميدان واحد تقريبا وهو الجامع، ذلك أن الساسة كانوا، كما عرفنا، غرباء عن البلاد وأهلها وعن اللغة التي يفهمها ويتحدث بها الناس، فلا نجد باشا من الباشوات نهض يخطب في الناس لا خطبة جمعة ولا خطبة استثارة للجهاد ونحوه (٢)، ولا


(١) بولسكي (العلم المثلث على الأطلس)، ٩٩.
(٢) أخبرنا من قبل أنه قيل عن محمد بكداش أنه صعد ذات مرة المنبر وخطب في الناس فوعظ وحذر، الخ. ونحب أن نلاحظ أن ذلك كان سنة ١١٠٤ وهو قد تولى الحكم سنة ١١١٨. وأن قضية علم بكداش وفصاحته ونحوهما مشكوك فيها لأنها صدرت من علماء مدينين له، أمثال محمد بن ميمون وعبد الرحمن الجامعي، وهم الذين =

<<  <  ج: ص:  >  >>