للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليلة أنس لذ فيها جنى السمر ... فناهيك من أنس جنيناه بالسهر (١)

وفي هذا الوصف جال ابن عمار في فنون الأدب والبلاغة وتحمل كل ما يستطيع ليبدو وصفه قطعة نثرية نادرة المثال، فحلاه بالمحسنات البديعية ونمقه بالسجع، وإذا كان في غير هذا الوصف ينسج على منوال ابن الخطيب والفتح بن خاقان، فإنه في هذا الوصف حاول التفوق عليهما، وقد سمى هو نفسه قصائد ابن الخطيب الميمية والسينية والنونية إلى السلطان أبي حمو (العقائل الثلاث) وقال عن شعر ابن الخطيب (شعره كله، ما بعده مطمع لطامع)، ووعد في رحلته أنه سيلم عن ابن الخطيب (بشيء من أخباره، ونتف من أشعاره، وشذرات من نثره المزري بالروض وأزهاره) (٢)، وانتقد ابن عمار التنسي الذي قال إن ابن الخطيب قد قلد في سينيته أبا تمام.

وقد قيلت أشعار مختلفة في وصف الآثار والأبنية في الجزائر العثمانية سنعرض إليها، ولكن النثر لم يسجل ذلك إلا قليلا. فهناك منشآت الباي محمد الكبير، ومنشآت صالح باي، وقصر الباي الحاج أحمد، ومدارس العاصمة، بل حتى الأضرحة والزوايا والقناطر، وكان بعض هذه المنشآت يثير الشاعرية أكثر مما يثير قدرة الكتاب على الوصف الأدبي، فقد قيل عن قصر أحمد باي أنه كان أهم وأحدث بناية في قسنطينة، تحيط به الحدائق الغناء والحمامات والباحات، ويضم ثمانية أجنحة يقود بعضها إلى بعض في تناسق محكم، وكان يثير الدهشة والإعجاب برشاقة وقوة ونصاعة هندسته المحلية، وقد ضمت حدائقه ألوان الأشجار المثمرة، وترقرقت فيه المياه، واختلط فيه خرير الماء من الفوارات بزئير الأسود في الأقفاص، حتى أن بعض الكتاب تخيل عندما دخله أنه كان في أحد قصور خلفاء


(١) انظر (أشعار جزائرية مختلفة) مخطوط، وكذلك نسخة من وصف القصر، نثرا، قدمها إلي الشيخ المهدي البوعبدلي. انظر أيضا (مختارات مجهولة من الشعر العربي).
(٢) ابن عمار (نحلة اللبيب)، ١٨٨، والمعروف أن الذي جمع أخبار وآثار ابن الخطيب هو أحمد المقري في كتابه (نفح الطيب)، فهل كان ابن عمار سيأتي يا ترى بجديد عن ابن الخطيب؟

<<  <  ج: ص:  >  >>