حمادوش نماذج من هذه المراسلات بين علماء العاصمة وعلماء عنابة. وذكر الفكون أنه كان يتراسل مع سعيد قدورة بالعاصمة، كما تراسل مع أحمد المقري عندما كان هذا في القاهرة. وكان علماء قسنطينة وعلماء عنابة يتبادلون المراسلات أيضا. ومن ذلك مراسلات بركات بن باديس مع تلميذه أحمد البوني. وكانت بين سعيد المقري في تلمسان وعلماء المغرب مراسلات أثبتها ابن أخيه أحمد المقري في (روض الآس)، وغير ذلك كثير.
[تنافس العلماء وأخلاقهم]
إن التنافس بين أصحاب المهنة الواحدة أمر طبيعي، ونكاد نقول أمر ضروري. ولكن هناك فرق بين التنافس الخلاق والتنافس الهدام. وقد كان التنافس بين علماء الجزائر خلال العهد العثماني في أغلبه من النوع الثاني. ذلك أن مجال عملهم كان محدودا جدا كما عرفنا. وبدلا من أن يبحث العلماء عن مجالات أخرى للعمل ويتفوقوا على بعضهم في إتقان المهنة والتقدم فيها دخلوا في حرب بين أنفسهم للظفر بما كانوا موجودا فقط. وكان لهذه الحرب الداخلية ضحاياها بينهم، وكان سلاحهم فيها ليس العلم والأخلاق والكفاءة، ولكن الجهل والصغار والضعف. ولو كان تنافسهم على الأشياء العظيمة لهان الأمر ولكان لهم مبرر فيما يرومون. وقد قال أحد الباحثين بحق بأنهم كانوا لا يتورعون حتى من إسقاط منافس لهم من مكانته (١). وهكذا شاع بينهم، نتيجة ذلك، السجن والتغريم والإهانة والنفي والعزل المشين وحتى الإعدام ومصادرة الأموال، كل ذلك من أجل وظيفة من المفروض فيها أنها لخدمة الدين.
وقد أخذ التنافس شكلين على الأقل، الفردي والعائلي. ولعل التنافس الأول أقل ضررا من الثاني لأنه كان ينتهي بانتهاء المتنافسين بالعزل أو الموت، وأما التنافس العائلي فهو طويل المدى وقد يستغرق أجيالا وقد
(١) ديلفين (تاريخ باشوات الجزائر) في (المجلة الآسيوية) ١٩٢٢، ١٨٦.