الجزائر العثمانية كانوا على الأقل قسمين: أهل الدنيا وأهل الآخرة (١).
وقد كان العلماء في حركة مستمرة داخل البلاد لطلب الوظيف أو لطلب العلم أو للهروب من وضع معين حتى تنجلي السحب. وهناك حوادث كثيرة تدلنا على هذه الحركة المفيدة. ذلك أن بقاء المثقفين في مكان واحد يركد مواهبهم ويحول اهتمامهم من الأمور الإسلامية والدولية إلى الأمور المحلية والشخصية. وهناك نقطة أخرى تتعلق بحركة العلماء داخل القطر، وهي كسر الحواجز الإقليمية وبداية ظهور الثقافة الوطنية. وأكبر حركة كانت من الأرياف إلى المدن. فالمدينة كانت تمثل مركز تجمع ثقافي لا يمكن أن يوجد في الريف: من علماء وكتب ومناظرات وزوار وأخبار ومحاضرات ونحو ذلك. وفي تراجم الفكون عدد من الأسماء التي انتقل أصحابها من قسنطينة إلى العاصمة طمعا في الوظيف وخدمة الأمراء، وفيها أيضا عدد من الأسماء التي ورد أصحابها على قسنطينة من زواوة والعاصمة ونقاوس وبجاية. وقد تنقل الورثلاني في أنحاء الجزائر كما جاء, في رحلته. وزار أبو راس عددا من المدن والمراكز العلمية، كما أخبر بذلك عن نفسه. وهام عيسى الثعالبي في أنحاء القطر وأخذ العلم أثناء ذلك عن الأنصاري في العاصمة وعن محمد التواتي في بسكرة. وفي كتاب (البستان) لابن مريم أسماء لبعض العلماء الذين توجهوا من تلمسان إلى زواوة لطلب العلم، وكان محمد الزجاي يتنقل بين معسكر وتلمسان، وقد قصد الشاعر القرومي مدينة معسكر قادما إليها من قرومة نواحي وادي يسر. وتوجه المفتي محمد بن بوضياف إلى العاصمة وأقام بها مدة. كما جاء أحمد المقري إلى العاصمة ودرس بها، وهكذا.
وكانت المراسلات بين العلماء من أهم وسائل الاتصال بينهم، وفي المراسالات تبادل للمعلومات وحفظ للعلائق الودية ووضوح للمسائل العلمية الغامضة. وكان بعض العلماء يتبادلون الألغاز ونحوها، وفي رحلة ابن
(١) انظر المزيد عن هذه النقطة في الفصل الخاص بالمرابطين.