من الغريب أن المؤلفين الجزائريين المعاصرين لابن المفتي لم يشيروا إليه ولا إلى كتابه في مؤلفاتهم المعروفة لدينا. فلا ابن حمادوش ولا ابن عمار ولا الورتلاني ولا غيرهم من مؤلفي القرن الثاني عشر (١٨ م) قد ذكر شيئا فيما نعلم، عن هذا الرجل وعمله، رغم أهمية ملاحظاته وأحكامه كما سنرى. وأول من نقل عنه نصوصا كاملة وترجمها إلى الفرنسية هو الباحث الفرنسي ألبير ديفوكس خلال القرن الماضي، أي بعد قرن من وفاة ابن المفتي والظاهر أن الكاتب الإسباني غونزاليز عاد إلى كتاب ابن المفتي بخصوص باشوات وعلماء الجزائر خلال العهد العثماني، رغم أنه لم يذكره من بين مصادره. أما الذي قدم عمله إلى القراء ودرسه بشيء من التفصيل فهو الكاتب الفرنسي ديلفان سنة ١٩٢٢. وقد حصل السيد نور الدين عبد القادر على نسخة من عمل ابن المفتي ونشر منه مقتطفات في كتابه (صفحات من تاريخ مدينة الجزائر) المطبوع سنة ١٩٦٤ (١).
اهتم ديفوكس بالناحية العلمية والدينية من كتاب ابن المفتي فأخذ عنه ما كتبه عن المفتين الحنفيين والمالكيين أثناء العهد العثماني وما قيده بشأن علاقات العلماء والفقهاء بعضهم ببعض من جهة وعلاقاتهم بالسلطة الحاكمة من جهة أخرى. وقد نشر ديفوكس بعض النصوص منه مترجمة إلى الفرنسية في (المجلة الإفريقية) أولا ثم جمع مقالاته ونشرها في كتابه (المؤسسات الدينية في مدينة الجزائر). ولكن ما قام به ديفوكس حول هذا الكتاب ما زال ناقصا لأنه لم يعرف بالمؤلف (ابن المفتي) ولا بكتابه ولم يهتم بالجزء السياسي والاقتصادي منه المتعلق بالباشوات والحياة الاجتماعية. فظلت الصورة التي نعرفها عن ابن المفتي وكتابه غامضة وناقصة. ولسنا متأكدين أن
(١) نذكر أيضا أن كاتبا مجهولا قد كتب سنة ١٩٢٣، تعليقا على ما كتبه ديلفان عن ابن المفتي، ونشر ذلك في (مجلة المستعمرات الفرنسية) ١٩٢٣، ٣١٨ - ٣٢٤ معنونا مقاله هكذا (مؤرخ عربي من مدينة الجزائر في القرن ١٨).