غونزاليز قد عاد إلى عمل ابن المفتي في رسالته المسماة (مشاهير مسلمي مدينة الجزائر). ثم إنه إذا صح أنه رجع إليه فإنه لم يأخذ منه سوى قائمة جافة من أسماء الباشوات الذين تولوا الحكم في الجزائر وبعض مشاهير العلماء على عهدهم مع ذكر وظائفهم ووفياتهم. ومن جهة أخرى فهو لم يشر أصلا إلى ابن المفتي في مصادره كما ذكرنا، رغم أنه أشار إلى غيره كابن حمادوش.
أما ديلفان الذي نشر عمله في (المجلة الآسيوية) فقد عرف قليلا بابن المفتي وكتابه من خلال ما كتبه ابن المفتي نفسه عن أسرته وحالته وتأليفه. كما أشار ديلفان إلى كيف حصل على نسخة من تأليف ابن المفتي التي لا تضم، حسب رأيه سوى الجزء الخاص بالباشوات، وهي من نسخ أحد النساخ الذين وظفتهم فرنسا في بداية عهدها بحكم الجزائر، وليست هي النسخة التي كتبها ابن المفتي على كل حال. وبذلك كانت نسخة ديلفان خالية من الجزء المتعلق بالعلماء والحياة الدينية. وأما نور الدين عبد القادر فقد عوض ما فقده عمل ديلفان حين حصل على نسخة غير جيدة من كتاب ابن المفتي تضم حياة المفتين والعلماء. وبينما وجدنا ديلفان يشيد بخط وأسلوب النسخة التي حصل عليها، وجدنا نور الدين عبد القادر ينتقد خط وأسلوب النسخة التي اطلع عليها، ومن سوء الحظ أن نور الدين بدل أن يقدم لنا النسخة كما هي حتى نشاركه في التعرف على أسلوب المؤلف، عمد إلى صياغته فاعلا، كما قال، ما فعل الشيخ الدردير مع مختصر الشيخ خليل.
وهكذا يتضح أن كتاب ابن المفتي، رغم أهميته في نظر كل الذين رأوه وأخذوا عنه، لم يقدم كله كعمل موحد ولم يدرس دراسة تاريخية منهجية تبين محاسنه وعيوبه وتضعه في مكانه من بين الأعمال التاريخية التي نحن بصددها. ولم نحصل نحن على نسخة جديدة من هذا العمل، ولكننا سنحاول أن نجمع المعلومات المتفرقة التي قيلت عن ابن المفتي وكتابه وندرسها ونخرج منها بنتيجة.