للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولد ابن المفتي (وهو الاسم الذي اختاره لنفسه) في مدينة الجزائر بتاريخ لا نعرفه بالضبط من عائلة كانت متصلة بالحكم اتصالا مباشرا. فهو من الكراغلة المنحدرين من نسل عثماني وجزائري. فإذا عرفنا أنه أنهى كتابه بذكر تولية المفتي المالكي الحاج أحمد الزروق بن محي الدين بن عبد اللطيف سنة ١١٦٦ وأنه لم يكتب كتابه إلا بدافع الكبر والحزن أمكننا أن نتصوره قد ولد أواخر القرن الحادي عشر، وليكن ذلك حوالي سنة ١٠٩٥ (١). ومن جهة أخرى فإن والده، المفتي حسين بن رجب شاوش بن محمد، قد ولد أيضا بالجزائر. وتولى الفتوى سنة ١١٠٢، وعمره ثلاثون سنة، ومعنى هذا أنه قد ولد سنة ١٠٧٢. وبذلك يكون قد أنجب ابنه (المؤلف) وهو في حوالي الثالثة والعشرين من عمره. وقد توفي المفتي حسين بن رجب شاوش في مدينة الجزائر ودفن بها. والعجيب أنه بالرغم من حرص ابن المفتي على ذكر التواريخ فإنه لم يذكر متى ولد وتوفي والده ولا متى ولد هو.

أما جده، رجب بن محمد، فقد ولد في قارة حصار، بالقرب من أزمير في آسيا الصغرى. وجاء إلى الجزائر مع أخيه الأكبر، ضمن الشبان المغامرين الذين كانوا يلتحقون بالجيش العثماني في الجزائر، وكثير من هؤلاء الشبان المغامرين كانوا يصلون إلى مراتب عالية في الدولة إذا كانوا يتمتعون بالذكاء والتعرف على طرق الصعود، ويمكننا أن نشير في هذا الصدد إلى صعود نجم محمد بكداش باشا وصالح باي. ولم يصل رجب بن محمد إلى تولي الولاية ولكنه وصل إلى مرتبة قد تفوقها من بعض النواحي. فقد أصبح قرصانا أو بحارا يعمل على سفينتين تملكهما زهرة باي، أرثا عن أبيها وزوجها. ثم أصبح (شاوش) العسكر، وهي وظيفة سامية، تسمح لصاحبها بالتعرف على أسرار الدولة والتدخل في التولية والعزل والتأثير على الولاة أنفسهم، ثم


(١) ما يؤكد هذا أنه قال إنه شاهد في صباه مدى شهرة المفتي محمد بن سعيد قدورة، والمعروف أن محمد قدورة قد توفي سنة ١١٠٧، فيكون عمر ابن المفتي حينئذ حوالي اثني عشرة سنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>