يملكون أسرار المهنة الطبية وقوة العلاج كانت موجودة منذ بداية الاحتلال، سواء عند الخاصة أو عند العامة. وإذا عدنا إلى وصف أدريان بيربروجر لتهافت الناس على الطبيب الفرنسي الذي كان ضمن الوفد الذي زار معسكر الأمير في الونوغة سنة ١٨٣٧، ندرك تمكن تلك القناعة حتى عند قادة المقاومة، أمثال الحاج سيدي السعدي. ولكن علينا الآن أن نتتبع تطور العقلية الجزائرية في ميدان الطب والعلوم والرياضيات أثناء فترة الاحتلال.
[الطب والتقاليد]
ومنذ البداية أحدث الفرنسيون ثورة في عالم الطب والعلاج. فرغم أن الدلائل تدل على وجود بقايا الطب القديم عند الجزائريين فإن الرأي العام كان يميل إلى أن الطب قد انتقل إلى الأوروبيين، كما لاحظ ذلك ابن العنابي في كتابه (السعي المحمود).
والثورة التي أحدثها الفرنسيون تتمثل في عدة مظاهر. فهم قد نقلوا أطباءهم ووسائلهم إلى المراكز التي احتلوها من البلاد، وفتحوا المستشفيات العسكرية والمدنية والعيادات، وحاولوا التعرف على أمراض البلاد ووسائل علاجها بالطرق التقليدية، وأصدروا النصائح الطبية للأهالي وحثوهم على المداواة عندهم، وكانت مدرسة الطب من أول ما افتتحوا من المدارس العليا، وكان في كل مكتب عربي تقريبا طبيب ملازم. ولكن ردود الفعل عند الأهالي كانت مختلفة كما سترى.
وتبين للفرنسيين منذ البداية أن البلاد كانت صحية بهوائها وقلة أمراضها ومناعة سكانها. فقد ذكر السيد جنتي دي بوسيه الذي حل بالجزائر حوالي ١٨٣٢ أنه سأل أوروبيين قطنوا الجزائر سنوات طويلة قبل الاحتلال فأجابوا جميعا بأنها بصفة عامة بلاد صحية وأنه باستثناء الأراضي القريبة من المستنقعات فإن الحمى الخطيرة غير معروفة تقريبا، وأن الطاعون ليس معديا، وله لم يتنقل أبدا عن طريق البر. وذكر من هؤلاء الأوروبيين: سولتز