خصصنا هذا الفصل للطب وللعلوم بالمفهوم العام لها. فنتناول فيه ما أنتج الجزائريون في الطب والرياضيات والطبيعيات والفلك، وسنترجم لبعض الرواد منهم، وسنتحدث عن الطب الشعبي وعن جهود الفرنسيين في نشر نفوذهم عن طريق العلوم والعلاج الطبي، بما في ذلك رجال الدين منهم. وقد نصف نشأة مدرسة الطب وأوائل الجزائريين الذين دخلوها. ومدرسة العلوم وتطورها وأبرز المتخرجين من المدرستين.
لقد لاحظنا في الجزء الثاني من هذه الموسوعة الثقافية أن علم الطب قد تخلف كثيرا، وأن الاكتفاء بالتداوي بالأعشاب واللجوء إلى ما سمي بالطب النبوي وكتابة الآيات القرآنية والحروز (الأحجبة) وما إليها، كان هو الشائع عند عامة الناس. ولاحظنا أن بعض المسؤولين من باشوات وبايات كان لهم بعض الأطباء من الأجانب يحتجزونهم بعد عمليات الأسر (أثناء الجهاد البحري) ويستفيدون من معارفهم الطبية. ومعنى ذلك أنهم لم يكونوا ضد الطب الأوروبي من حيث هو، وأنهم لم يكونوا خرافيين على كل حال (١). أما عامة الناس فقد كانت تلجأ إلى (الحكماء) المحليين أو العارفين بخصائص الأعشاب والعقاقير. ولكن أغلب العامة كانت تلجأ إلى الدراويش والسحرة الذين كانوا يعالجون بالتمائم والرقي والعزائم ونحوها.
هذه الظاهرة لم تتغير فجأة بعد الاحتلال. فقد مضت عقود قبل أن يقتنع الناس بالتداوي لدى الأطباء الأوروبيين. ولكن القناعة بأن هؤلاء لا
(١) كان لحسين باشا (الداي) طبيب خاص من أصل أسباني، وآخر من أصل ألماني، وكان لباي قسنطينة الحاج أحمد أيضا أطباؤه، منهم إيطالي قيل إنه عالجه عدة سنوات ثم كتب وصفا لحياته وملامحه. انظر جنتي دي بوسيه (عن المؤسسة الفرنسية في الجزائر)، باريس ١٨٣٥، ج ١، ص ٥٢٤.