وقبل أن نذكر المؤلفات التي تحدثت عن الأمراض وعلاجها، نكرر القول إن السلطات الفرنسية كانت تستمرئ هذا الإغراق في الخرافات، وكانت بصفة عامة تمنع من يدعو المسلمين إلى العلم واليقظة والخروج من التخلف. وما الحركة الاصلاحية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى إلا حركة تمرد على ذلك الوضع. ولكن الأصوات المنادية بتعلم الطب الحديث والخروج من ربقة الجهل قد بدأت مع كتيب المجاوي الذي ظهر سنة ١٨٧٧ ومحاولات أخرى على يد ابن مهنة وابن الموهوب ومحمد بن مصطفى. ومنذ ١٨٨٤ تخرج محمد بن العربي (بلعربي) والطيب مرسلي وبوضربة وبريهمات، وأخذوا ينشرون الطب الحديث بين المواطنين. ولكن الانتقال من مرحلة الخرافة إلى مرحلة العقل والوعي قد أخذ زمنا طويلا حقا.
إن السلطات الفرنسية بدل أن تفتح المجال أمام التعلم وترخص للمصلحين بالدعوة إلى العقل واليقظة كانت تدعو هي، بوسائلها الخاصة، كجريدة المبشر وبعض الكتيبات الموعز بها، إلى العلاج عند الأطباء الفرنسيين ودخول المستشفيات الكنسية، وهو ما جعل الناس ينفرون من الطب ويلجأون إلى الخرافة، ويفضلون المرابطين والعلاج الروحي على الأطباء المستعمرين والعلاج الديني. فإذا ما أوعزت تلك السلطات إلى من يؤلف في الطب الحديث ويخاطب العامة فإنما يكون ذلك لمصلحة الفرنسيين أنفسهم مثل فوائد الخير الصحي للحجاج والمسافرين عموما، ومثل مداواة الأمراض المعدية والتخلص منها، أما الأمراض التي لا تضر إلا بالجزائريين فقد تركت للشعوذة والسحر، كما ذكرنا.
[بعض المؤلفات في الطب والصحة]
والصحف التي كانت تصدر عن الإدارة، مثل المبشر والمغرب وكوكب افريقية، كانت تنشر المقالات والتوجيهات عن فوائد الصحة وطرق العلاج والتخلص من الأوبئة، للإنسان والحيوان. وكان بعض أطباء الجيش الفرنسي