وأطباء المكاتب العربية يؤلفون كتبا ذات فائدة عظيمة عن تجاربهم مع الجزائريين في ميدان الطب والعلاج. ومنذ أواخر القرن ظهرت كتيبات على يد بعض العلماء الجزائريين المتصلين بالإدارة أو العاملين في جريدة المبشر، مثل الحفناوي بن الشيخ ومحمد بن مصطفى. ولكننا سنبدأ بأول أثر عن فوائد الحجر الصحي.
١ - إتحاف المنصفين والأدباء في الاحتراز من الوباء: وهو من تأليف حمدان بن عثمان خوجة حوالي ١٨٣٧ (١٢٥٢). وقد رد فيه على المتزمتين الذين لا يقبلون بالتغيير وعلى المتوكلين الذين يتركون كل الأمور إلى مشيئة الله فلا يتخذون حذرا ولا يقدمون الأسباب لتفادي الأوبئة والطواعين. وثقافة خوجة المعاصرة تجعله خير من يكتب عن الموضوع. فقد عاش في الجزائر وتجول في المشرق وفي أوروبا قبل وبعد الاحتلال الفرنسي لبلاده. وكتب هذا الكتاب بعد هجرته إلى اسطانبول. وندد حمدان خوجة بالمسلمين القاعدين الذين كانوا يعتقدون أن طرق الوقاية إنما هي من مبتكرات الفرنجة (النصارى)، ولذلك فهي غير واجبة على المسلمين في زعمهم. ولا شك أنه كان يقصد بذلك علماء الوقت الذين رفضوا الإصلاح. ونحن هنا نجد خوجة ساخطا على علماء المسلمين بشأن الطرق الصحية كما ثار زميله ابن العنابي بهم في شأن الطرق العسكرية (١).
ذكر حمدان خوجة أنه شهد نزول الوباء بالجزائر حوالي عشرين مرة أثناء حياته، وفي كل مرة كان الوباء يصيب المئات وربما الآلاف ويشوه وجوه الناس ووجه البلاد. فاضمحل نتيجة ذلك، العلم وأقفرت المعالم وانقرض العسكر، (لا يراد الممرض على المصح) لأن مبدأ الحريق شرارة. ولو اتبع الناس التعاليم الدينية والعقلية لما أصابهم الوباء. ولفت خوجة أنظار قومه (وكأني به يخاطب علماء المشرق وسياسييه) إلى أن الغربيين
(١) كتب ابن العنابي (السعي المحمود في نظام الجنود)، وقد درسناه في كتابا (رائد التجديد الإسلامي ...)، ط ٢. وحققه محمد بن عبد الكريم، ١٩٨٢.