(الإفرنج)، قد اتخذوا طرق الوقاية وتحرزوا غاية التحرز فلم يعانوا من إصابات الوباء، وظهر خوجة كأنه يتكلم على لسان ابن خلدون، حين قال إن الغربيين قد توارثوا الصنائع المهمة، وزاد آخرهم فيها على أولهم، وطالت أعمارهم، وتوفرت عساكرهم ومتاجرهم (اللتان عليهما المعول) بينما ضعف حال المسلمين. وبعد هذه المقارنة الواضحة قال خوجة إن الغربيين قد استغنوا عن قتال المسلمين بقلة حزمهم، وبذلك أصبح المسلمون يخربون بيوتهم بأيديهم، لأنهم جعلوا من الضعف قوة ومن السراب قوتا. وأفكار خوجة هنا تدل على له كان داعية تغيير في مختلف الميادين التي ضعف فيها حال المسلمين. ويجب أن نتذكر أن خوجة كان يكتب بعد حروب الصرب واستقلال اليونان وغيرها من الأحداث التي أضعفت الدولة العثمانية، وكشفت عن ضعف المسلمين، واكتسب منها الإفرنج قوة. ولما كان خطابه في الحقيقة للخاصة (العلماء ومشائخ الإسلام، كما يسميهم) وليس للعامة، فإنه تمنى أن يقرأوا كتابه بعين الإنصاف، وأن يكتبوا عنه إذا أخطأ.
وكتاب (إتحاف المنصفين) يضم مقدمة وثلاثة أبواب. فالمقدمة حول مسائل عامة كدفع الأذى والتسبب والعلل. وقضية تقدم الإفرنج في العلوم الرياضية والطبيعية. وجعل خوجة المقارنة تظهر كأن المسلمين تأخروا لأنهم متمسكون بدينهم ومتخلون عن دنياهم، وإن أهل الغرب تقدموا لأنهم تخلوا عن دينهم واعتنوا بأمور دنياهم. وهو طبعا لا يريد ذلك. ثم ذكر حقيقة الاحتراز من الوباء بطريق (الكرنتينة) وخاطب في ذلك الراعي والرعية (الحاكم والمحكوم) وطالب بتطبيق هذه الطريقة بتوفير الصحة وضمان المعاش وقوة الدولة.
أما أبواب الكتاب الرئيسية فهي:
١ - الأدلة النقلية والعقلية على جواز الفرار من الوباء.
٢ - جواز الاحتراز من الوباء شرعا.
٣ - بيان تطبيق (الكرنتينة)، وفيه ناقش خوجة ما إذا كان ذلك يتعارض