بالعدول عن ذلك، فاكتفى بإرسال رسالة احتجاج ضد الاحتلال مع التحذير من التوسع في الصحراء والجنوب.
ومن جهة أخرى أظهر البكائيون تسامحهم أيضا مع الرحالة دوفيرييه سنة ١٨٦١، وخدموه في رحلته بين غدامس وتوات وغات، كما سبق القول، كما أنهم ربطوا علاقات مع فيديرب، الحاكم الفرنسي للسينغال، منذ ١٨٦٤، وتراسلوا مع الإنكليز أيضا.
وقد حاول الكونتيون اجتذاب حركة الحاج عمر في غرب إفريقية والعمل معه في نفس الاتجاه، فامتدحه البكاي بأنه (مجدد الإسلام). وكان الحاج عمر في البداية من أتباع القادرية، غير أنه تحول منها إلى التجانية، ورفع لواء الجهاد ضد الفرنسيين، وأظهر اللامبالاة بل العداء للبكائي، فما كان من هذا إلا أن عاداه أيضا ودخل معه في صراع حول التوسع والنفوذ الروحي والزمني، وأعلن البكاي أن الحاج عمر خارج عن الدين الإسلامي لعدم تلبيته لمبادئ السنة النبوية، وكان ذلك الانشقاق قد أدى إلى ضعف المسلمين جميعا في غرب إفريقية، مما سهل عملية الاحتلال الفرنسي للمنطقة كلها، وتوفي الزعيمان في وقت متقارب (الحاج عمر ١٨٦٤، والبكاي ١٨٦٥)(١).
[المكاحلية (الرماة)]
هؤلاء ليسوا طريقة بالمعني الصوفي، إنهم تنظيم من عصبة أو عصابة يكاد يكون (ميليشيا) بالمعنى الحديث، وبهذا المعنى كانوا يخيفون الفرنسيين، رغم قلة أعدادهم وقلة انتشارهم، وأصل المكاحلية أو الرماية - الرماة، يرجع، كما يقولون، إلى عهد سعد ابن أبي وقاص والصحابة الآخرين، فقد كانوا يمارسون الرياضة على النشاب والقوس والكرة والسهم.
(١) للتوسع انظر (دراسة شاملة عن الكونته) في (مجلة العالم الإسلامي). R.M.M، ١٩١٨ - ١٩١٩، ص ٩٢، ١٢٨ - ١٢٩، انظر أيضا دراسة محمد حوتيه عن زاوية كونته، رسالة ماجستير، معهد التاريخ، جامعة الجزائر، ١٩٩٣.