للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كتب عملا جديرا بالتقدير، وهو لم يكن يكتب كتابا بالمعنى التقليدي للكلمة ولكنه كان يقيد ملاحظات وآراء وتأملات، فإذا بها تصبح بالنسبة إلينا اليوم مصدرا قويا عن عصره وأهله، ولكن قيمة عمله تظل مرهونة بقيمة عمل الآخرين. ذلك أن الكتابة عن النواحي التي عالجها تكاد تكون مفقودة، والذين كتبوا، أمثال ابن ميمون وابن سحنون، كانوا مادحين لا ملاحظين، ولعل أقرب إلى عمل ابن المفتي في القيمة هي مذكرات ابن حمادوش أو رحلته، فقد وجدنا هناك تشابها كبيرا بين الرجلين والطريقتين، فكلاهما كان خارج مراكز القوة في الدولة، وكلاهما كان شديد الملاحظة، وكلاهما تحدث عن الباشوات والعلماء، حقا إن قائمة ابن حمادوش في ذلك قليلة التعاليق، خلافا لابن المفتي، كما أن ملاحظات هذا على العلماء أعمق وأكثر دقة وتنظيما، ولكن رحلة ابن حمادوش تحتوي أيضا، كما بينا في دراستنا عنه (١)، على أمور هامة، تزيد في الواقع من قيمة عمل ابن المفتي، فعسى أن يعثر الباحثون على كتابه كاملا وفي نسخته الأصلية (٢).

[أبو راس الناصر]

لا يمكن أن نكتب فصلا عن التاريخ والتراجم في الجزائر خلال العهد العثماني دون الترجمة لأبي راس الناصر، فقد كان على رأس المؤرخين إنتاجا وإدراكا لأبعاد الدراسة التاريخية، وكنا قد نشرنا عنه، سنة ١٩٧٤، بحثا قارنا فيه حياته وأعماله بحياة وأعمال عبد الرحمن الجبرتي المصري المعاصر له، ثم اننا قد أشرنا إليه في عدة مناسبات من كتابنا هذا، ولذلك


(١) درسنا رحلته في بحث نشرناه في (مجلة مجمع اللغة العربية) بدمشق، إبريل ١٩٧٥. انظر أيضا كتابي (أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر).
(٢) في دراستنا عن ابن المفتي رجعنا، بالإضافة إلى ما ذكرناه، إلى (المؤسسات الدينية) لديفوكس، وديلفان (المجلة الآسيوية) ١٩٢٢، ونور الدين عبد القادر (صفحات من تاريخ مدينة الجزائر).

<<  <  ج: ص:  >  >>