للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بينما كان الجيش الفرنسي يقوم بدوره في حرب الجزائريين وتشريدهم، وبينما كان المستوطنون (الكولون) يغتصبون أرضهم وديارهم، كان المفكرون الفرنسيون يحاربون الجزائريين أيضا، ولكن بسلاح الأفكار المدمر، وقد تعرض هؤلاء المفكرون بالضرب والطعن في كل المقومات الذاتية للجزائري: شخصه وتاريخه ولغته ودينه وأخلاقه، الخ. وأمام ضعف الدفاع الفكري الجزائري طيلة قرن تقريبا (١)، كانت ضربات المفكرين الفرنسيين صائبة إلى حد كبير، وكادت تنفذ إلى العظم والمخ.

وفي هذا الفصل سنذكر بعض الأفكار أو المدارس الفكرية الفرنسية التي سددت سهامها إلى الجزائريين لتدمر هويتهم وتطعن في تاريخهم وإسلامهم، وأصولهم العربية والبربرية، ثم لتبني من ذلك مجدا، خياليا للفكر الفرنسي (والمهمة الحضارة الفرنسية)؛ وليس غرض هذا الفصل الاستيعاب والإحاطة لأن كل فكرة أو قضية سنتعرض إليها تستحق في الواقع فصلا بذاتها أو كتابا، كاملا، وإنما غرضنا التنبيه - تنبيه الشباب المثقف خاصة - إلى ما كان يخطط أعداء بلاده بالأمس لكي يسحقوا ذاتية وطنه ويمحوا ذاكرة شعبه، ولكي يقدر الشباب الدور العظيم الذي قام به أجداده لمقاومة هذا الغزو الماحق ويعرف أنهم كانوا أهلا للعزة والحياة.

ومن ضمن الأفكار التي سنعرض إليها ما شاع في المجتمع الجزائري المختلط (مع الفرنسيين) عن الرومانتيكية، والسانسيمونية، والصهيونية،


(١) لم يبدأ الجزائريون في الدفاع عن أنفسهم فكريا إلا في آخر القرن الماضي ثم نضج دفاعهم واشتد في عهد الحركة الإصلاحية. وكانت محاولات حمدان خوجة قد قبرت في مهدها مع بداية الاحتلال.

<<  <  ج: ص:  >  >>