للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العقول في ظلام دامس. فهذا قاسم بن أم هاني، الذي سبقت الإشارة إليه، قد اتخذ طريق الشعوذة لكي يرد ما كان لأسلافه من زكوات وأعشار. وقد قيل عنه انه بدأ بالإكثار من الصوم والصلاة (وهو أمر لا مجال فيه للاستغراب) ولبس الغرارة المرقعة وأكل الشعير، حتى اشتهر أمره بين الناس. وكان قاسم يكثر من الاتصال بأهل البوادي وبأهل قبيلته التي كانت تقطن نواحي نقاوس. وكان هؤلاء يشيعون عنه أخبارا خاصة وخوارق حتى يخيفوا منه اللصوص. ولما أحس بأن دعوته قد نضجت أظهر البدعة فاتخذ الأتباع (الفقراء) والحضرة، وكانوا يذهبون إلى البوادي وينصبون خيمة إزاء القبيلة، وهناك ينادي الشرطي (وهو أحد فقراء الشيخ) بأن شيخه يبرئ من العاهات، ونحو ذلك من أنوع الكرامات، ويقول الشرطي لرئيس القبيلة بأن الشيخ يطلب كذا كذا وإلا فإن القبيلة لا تفلح، وكان الشيخ إذا رأى فرسا جميلة يذهب إلى صاحبها ويقول له إياك أن تبيعها! ثم يأخذها منه إما بدون ثمن وإما بثمن بخس. وإذا رفض صاحب الفرس العرض يهدده الشيخ بالنكبات. ومع ذلك فقد تصدر الشيخ قاسم لإعطاء العهد الصوفي (١).

وأمثال الشيخ قاسم كثير. فقد بدأ الشيخ محمد الحاج حياته في نواحي أم دكال (امدكال) متنسكا ومعتزلا للناس، ثم ظهر في البوادي واتخذ زوايا ورعايا تزكي عليه ويأخذ منها الأعشار والجبايا. وأصبح هو يولي من يشاء ويعزل، ويعطي العهد ويمنع. وكان أتباعه يحلفون برأسه. وكان الشيخ الجليس قد ظهر عليه الجذب وكثر الخنا على لسانه والتفوه به، كما يقول الفكون أمام الذكور والإناث على السواء، وكان يأكل الحشيشة ويعطيها لمن يزوره، بل إنه يلزمه بأكلها. وعندما مات له قط (وكانت له قطط كثيرة) أسف عليه وصنع له كفنا وجعل له مشهدا ومدفنا. والغريب أن خاصة وعامة قسنطينة قد جاؤوا للجنازة وتعزية الشيخ في فقيده! (٢).


(١) الفكون (منشور الهداية)، مخطوط.
(٢) نفس المصدر. وعن نشاط الطريقة الشابية بشرق الجزائر انظر علي الشابي (مصادر =

<<  <  ج: ص:  >  >>