للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المريد لشيخه والسيد لسيده. ثم تعددت الطرق الصوفية وتأثيراتها على الترك فانتشرت بينهم أيضا، كما عرفنا، الطريقة النقشبندية والقادرية والمولوية ومغيرها. كما انتشرت في الأقاليم العثمانية طرق أصلية أو فرعية، ولا سيما تلك التي ظهرت في بغداد ومصر وسورية والمغرب العربي، وسنتحدث عن الطرق الصوفية التي ظهرت خصوصا في الجزائر خلال هذا العهد.

وقد كان الدين هو المبرر الأول لظهور العثمانيين في المشرق والمغرب. وإذا كان تاريخهم في المشرق لا يعنينا هنا فإن تاريخهم في المغرب كان أساسه الدين، كما عرفنا. فلولا الحروب الصليبية التي شنتها أوروبا الغربية بقيادة إسبانيا ضد الجزائر (والمغرب العربي عموما - وكذلك الأندلس) لما كان هناك مبرر لتدخل آل عثمان. فقد كانوا هنا، كما كانوا في آسيا الصغرى قرونا من قبل، مدفوعين برغبة الجهاد والحماس الديني للدفاع عن حدود الإسلام الغربية، وكانوا بالطبع يبحثون لهم عن حلفاء ومؤيدين، فوجدوهم في رجال الدين، وخصوصا المرابطين. وهناك مبررات كثيرة لهذا التحالف أيضا. ذلك أن الظروف السياسية والاقتصادية والدينية كانت تستوجب ذلك.

أمام الضعف السياسي للدولتين الزيانية والحفصية لم يبق أمام المرابطين سوى أن يعتمدوا على أنفسهم في الدفاع عن الأراضي الإسلامية التي تعود إليهم، لذلك كانوا يتولون القيادة بأنفسهم ضد العدو، أو يوجهونها روحيا وذلك بإصدار الأوامر إلى أهل المدن الساحلية ونحوها للدفاع عن أنفسهم. وقد رأينا ذلك من موقف عبد الرحمن الثعالبي حين دعا أهل مدينة الجزائر وما حولها للجهاد وتوفير أدوات الحرب واتخاذ عدة النصر، وكذلك حين راسل أهل بجاية يحثهم على الاستعداد للحرب ومقاتلة الأعداء ويحذرهم من مغبة التهاون في أمر الجهاد (١). وجاء في رحلة بيري رايس العثماني أن الشيخ محمد التواتي كان (يحمي) مدينة بجاية من الإسبان وأن


(١) انظر دراستي لرسالة الثعالبي في الجهاد في كتابي (أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر).

<<  <  ج: ص:  >  >>