ومن أوائل من نظم الشعر في هذا المعنى أحمد المقري الذي عرفنا في ترجمته سبب شوقه إلى وطنه ووصفه له بأوصاف التقدير والروعة. وشاع ذلك عند أحمد بن عمار وابن حمادوش وغيرهما. والأخير، رغم أنه لم يكن شاعرا فحلا فقد عبر عن هذه العاطفة حين كان في المغرب الأقصى في مناسبتين الأولى حين حل عيد الأضحى وهو بتطوان واجتمع الناس للأفراح وتبادل التهاني ولكنه ظل وحيدا غريبا سلعته كاسدة والطبيعة غاضبة، فقال عندئذ قصيدة طويلة تشوق فيها لأهله ووطنه ووصف حاله:
لقد كنت قبل اليوم أصبر صابر ... وها أنا في هذا الزمان ذليل أما المناسبة الثانية فقد كانت بتطوان أيضا حين تحطمت السفينة التي كانت ستقله إلى الجزائر، وطال به السأم والانتظار، وكاد ينقطع رجاؤه في العودة إلى الوطن والأهل، وقد جاء في هذه القصيدة الرجزية قوله يخاطب أهله:
لحمي قوتي ودماغي شربي ... وفكرتي فيكم ورغبي ربي (١) وهذا الشعور بالغربة في الخارج والحنين إلى الوطن والالتفات إليه قد شاع عند الجزائريين، لأنهم كما قلنا، قصدوا في البداية طلب العلم والهجرة لأسباب سياسية ودينية، فإذا بهم يشعرون أن الحبل يتقطع بهم وأن الديار تبعد والأحباب يختفون، بل إن بعضهم كان يحس أنه لم يجد ما كان يصبو إليه من التقدير والاحترام، وقد عبر أحمد المقري عن ذلك في الأبيات التي أوردناها له والتي يقول فيها:
تركت رسوم عزي في بلادي ... وصرت بمصر منسى الرسوم
وفي هذا المعنى قال محمد بن أحمد الكماد لما كان في تطوان وشعر بالغربة والنزول من المقام اللائق به: