إلى تطوير المجتمع اقتصاديا وثقافيا ولا إلى تربية الشعب سياسيا. وإذا فعلت شيئا من ذلك أحيانا فعن طريق الدين، وهذا يعني أن رجال الدولة كانوا أحيانا يلتفتون إلى المشاريع الدينية والخيرية فيبنون جامعا أو كتابا لتعليم القرآن أو ينشؤون زاوية لأحد الأولياء الصالحين، ثم يوقفون على ذلك أوقافا لحفظه وصيانته، فإذا نص في الوقفية على منح جزء منها لأحد المدرسين فإن التعليم الذي ينشره كان نابعا من الشعور الديني والخيري عند الواقف وليس غيرة منه على تجويد التعليم وترقية المجتمع. وقد عرفنا أن كثيرا من الأوقاف لا شأن لها بالتعليم أصلا.
فالجواب على السؤال السابق إذن واضح، وهو أنه لم يكن للسلطة العثمانية في الجزائر سياسة للتعليم. ولعل الصحيح في هذا الصدد أن نقول إنه كان لهذه السلطة سياسة وهي عدم التدخل في شؤون التعليم. فإذا انتشر التعليم فالأمر لا يعنيها وإذا تقلص فالأمر كذلك لا يعنيها. حقا إن هناك استثناء لهذا الحكم في محاولة بعض البايات مثل محمد الكبير وصالح باي، ولكن هذه المحاولة كانت أولا فردية ولا تقوم على خطة مدروسة، وكانت ثانيا لا تخرج في محتواها عما قلنا، من تبعية التعليم للدين حتى عند هذين الرجلين، فالمدارس التي أسساها كانت تابعة للمساجد والكتب التي حبساها كانت تلبية للشعور الديني عندهما وليس للشعور العلمي. ومن جهة أخرى كانت محاولتهما قصيرة الأمد فلم تثمر، وكانت تهدف إلى جلب الشهرة والمدح، ولا سيما عند الباي محمد الكبير. فهو الذي رسم هالة حول نفسه فجمع بعض الأدباء والشعراء والكتاب والمخلصين له، وهو الذي أرسل بالمال إلى بعض علماء المغرب والمشرق طلبا للثناء والسمعة كما فعل مع محمد مرتضى الزبيدي، وهكذا لم تكن خدمة التعليم هي الهدف الرئيسي عند هذين البايين أيضا.
كان التعليم إذن خاصا يقوم على جهود الأفراد والمؤسسات الخيرية. ويدخل في هذا العموم رجال الدولة أيضا ولكن كأفراد. فالآباء هم الذين كانوا يسهرون على تعليم أطفالهم، إما امتثالا لحث الدين على التعليم، وإما