لأن الأطفال في سن معينة لا يحتاجهم أهلهم في العمل، وإما لأن مهنة التعليم والقضاء والإفتاء وما إليها كانت وراثية في الأمرة، وإما لأن التجارة والحرف الأخرى تقتضي معرفة بالحساب ونحوه. وقد يكون شعور الآباء نحو التعليم منطلقا من هذه العوامل كلها، كما ينطلق من تقاليد الجزائريين الراسخة وهي احترامهم للإنسان المتعلم وتقديرهم للعلم في حد ذاته. ولعل كون العثمانيين في أغلبهم عزابا وكون رؤسائهم في أغلبهم حديثي عهد بالإسلام قد جعلهم لا يهتمون بتعليم الأطفال في الجزائر لأنهم كانوا في جملتهم بدون أطفال، كما أن الاضطرابات السياسية قد جعلت مشاركتهم في نشر التعليم بين أطفال المسلمين أمرا ثانويا. ومهما كان الأمر فإن الأسرة الجزائرية المسلمة هي التي كانت تتحمل أعباء التعليم، فالآباء، ولو كانوا فقراء، كانوا حريصين على إرسال أبنائهم إلى الكتاب وتعلم المبادئ العامة وحفظ القرآن. وكثيرا ما كان ذلك عن طريق التنافس أيضا لأن الجيران كانوا يتنافسون على الخير، كما يوصي الدين، وهو هنا تعليم أبنائهم ومباهاة بعضهم البعض بذلك، وقد كانت الأوقاف والصدقات والنفقات الخاصة هي التي تتكفل بتغذية التعليم وليس ميزانية الدولة.
وكان أساس التعليم هو الدين، فحفظ القرآن الكريم كان عمدة التعليم الابتدائي، ومعرفة بعض علوم القرآن كان عمدة التعليم الثانوي والعالي أيضا. ولم يكن تعلم القراءة والكتابة إلا تابعا لحفظ القرآن، كما أن تعلم بعض العلوم العملية كالحساب كان يهدف أيضا إلى غرض ديني بالدرجة الأولى وهو معرفة الفرائض وقسمة التركات بين الورثة. وعلى هذا الأساس كانت معظم أجور التعليم من الأوقاف، ذلك أن أجرة المعلم لم تكن كأجرة العامل في الحدادة أو النجارة مثلا ولكنها كانت نوعا من الصدقة والإحسان إرضاء للمشاعر الخيرية عند الفرد المسلم، فالمعلم كان، في نظر الدولة والمجتمع، يقوم بخدمة الدين، ومن ثمة كان يستحق أيضا العطايا ذات الطابع الديني كالصدقات وبعض غنائم الجهاد وضرائب أهل الذمة.
وهناك أحكام مختلفة على موقف العثمانيين من التعليم في الجزائر،