للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا حكمنا من شكوى بعض العلماء ومن ملاحظات بعض الرحالة المسلمين والكتاب الأوروبيين وجدنا صورة التعليم عندئذ كالحة وغير سارة. فبالإضافة إلى كون العثمانيين لم يسنوا سياسة لتشجيع التعليم فإنهم كانوا يستولون على الأوقاف المخصصة له من قبل أهل الخير، ويستعملونها في أغراض أخرى، كما أنهم كانوا يتغاضون عن الوكلاء والعلماء الذين يأكلون أموال الأحباس ظلما. وإن الذي يقرأ كتابا مثل (منشور الهداية) لعبد الكريم الفكون ورحلة الورتلاني و (عجائب الأسفار) لأبي راس وبعض آثار أحمد بن ساسي البوني، سيجد أمثلة كثيرة على عدم التزام العثمانيين بقواعد الدين نحو الأوقاف، كما أن من يطالع كتابات الرحالة والكتاب الأوروبيين أمثال توماس شو، وبانانتي أو كتابات الفرنسيين المتأخرين (ألفريد بيل، شارل فيرو، مارسيل ايمريت الخ) سيجد منهم أحكاما قاسية على موقف العثمانيين من التعليم. فقد شكا أبو راس في أوائل القرن الثالث عشر من سوء أحوال العلم والتعليم في وقته، رغم أنه كان يعيش عصر الباي محمد الكبير المشار إليه، قائلا: (في زمن عطلت فيه مشاهد العلم ومعاهده، وسدت مصادره وموارده، وخلت دياره ومراسمه، وعفت أطلاله ومعالمه) (١). أما شو الإنكليزي فقد أرجع موقف العثمانيين من التعليم إلى طبيعتهم الحربية وأمزجتهم غير المستقرة وإلى اهتمامهم الكبير بالمال والتجارة (٢).

ولكن هذه الصورة تتغير عندما نتأمل حالة التعليم لدى الجزائريين أنفسهم. ذلك أن كثيرا من المصادر قد تحدثت عن انتشار التعليم في الجزائر خلال العهد العثماني وعن استعداد الشعب للتعلم وحبه للعلم واحترامه للمعلمين، فشو نفسه قد نوه باستعداد الجزائريين للتعلم ومهارتهم فيما تعلموه من علوم وصنائع، ولكنه مع ذلك حكم بضعف مستوى التعليم وحاجة الجزائريين إلى الوقت والتشجيع لينمو اهتمامهم وينضج استعدادهم. ورغم تشاؤم الحسين الورثلاني من حالة التعليم في وطنه واتهامه للعثمانيين


(١) أبو راس (عجائب الأسفار)، مخطوط الجزائر، ٢.
(٢) شو (الرحلة)، ٣٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>