للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بإهمال التعليم واستيلائهم على أوقافه فإنه قال: (وبالجلمة فإن وطننا طيب فيه العلم) (١) وكان هذا بعد أن عدد أماكن من وطنه شاهد فيها العلم حيا، مثل سيدي بهلول بالقبائل وقسنطينة وبسكرة والخنقة. ولكن العلم الذي عناه الورثلاني ليس هو علم الدنيا بل علم الفقه والتصوف والتوحيد ونحوه، فهو الذي هاجم علماء الخنقة لأنه وجدهم لا يدرسون التوحيد مؤثرين عنه علم النحو والمنطق. ومن جهة أخرى حكم الرحالة المغربي أحمد بن ناصر الدرعي بانتشار العلم في أصقاع بعيدة من الجزائر في وقته مثل أولاد جلال وعين ماضي التي قال عنها إن أهلها كلهم طلبة (٢). وتشهد لانتشار التعليم في الجزائر أيضا كتابات فانتور ديباردي الفرنسي وروزيه الفرنسي أيضا وتقارير الباحثين الفرنسيين غداة الاحتلال التي أثبتت أن عدد المتعلمين في الجزائر عندئذ كان يفوق عدد المتعلمين في فرنسا.

ولم تكن مهمة التعليم من المهن المرغوب فيها أو المربحة خلال العهد العثماني. فقد كانت مهنة لا تجلب إلى صاحبها إلا الفقر، رغم أنها تجلب إليه عطف الناس وإحسانهم واحترامهم المعنوي، وكان الناس ينظرون إلى المعلم، وخصوصا معلم الأولاد أو المؤدب، نظرة شفقة وعطف أكثر من نظرة الاحترام والتبجيل. ذلك أنه كان يعيش عيشة الكفاف في أغلب الأحيان، وكان مورده غير قار ولا آمن، رغم كل ما يدفعه له آباء التلاميذ من أجر ومن هدايا في مختلف المناسبات، ولعله كان عند البعض شخصا من أهل الدروشة والصلاح، يتغذى بالروح لا بالمادة، وكان بعض المؤدبين شيوخا طاعنين في السن أو عميا، ولا سيما معلمو الفتيات في البيوت. وكان يساعدهم في مهمتهم بعض المتدربين الذين يسمون في بعض النواحي (مسلكين) ولذلك كان بعضهم لا يعتمد كليا على التعليم كمورد للرزق. فإذا انتقلنا إلى التعليم الثانوي والعالي وجدنا الأمر يختلف قليلا. ذلك


(١) الورتلاني (الرحلة)، ١٣، ٢٨، ٨١، ٦٨٧.
(٢) الدرعي (الرحلة)، ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>