للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النشيد وألفه من ذات روحه المفعمة بحمية الهند، وهذا هو دور الزعيم الخارج من رحم الشعب، وقياسا على ذلك فإنه لم يكن أمريكيا ذلك الذي ألف نشيد المارسيلية (المارسييز) أو نشيد تجمع العمال (الدولية) ولا كان شيخصا قادما من بلاد أخرى، كما هو الحال مع فرانز فانون (١).

ومع ذلك يعترف ابن نبي بالفضل لفانون لأنه في نظره كان العازف الموسيقي العظيم لأحسن النبرات الثورية المؤلفة من الروح الإفريقية، فهو رافع لواء الحمية الوطنية، وهو مقدم أشجى الألحان الثورية، وهذا اعترافه واضح من ابن نبي لفانون، ولكنه، أي فانون، كان يفتقد، كما يثبت سجله الشخصي (ويقصد به ابن نبي أصوله العرقية ولونه وجغرافيته البشرية) كان يفتقر إلى اللمسة التي تهز الروح الجزائرية التي لها هي أيضا ذاتيتها وخصوصيتها، تلك هي اللمسة التي تربطها - في نظر ابن نبي - بالرعشة المقدسة القادرة على دفع الشعب الجزائري إلى النضال الذي يحرر الشعب من قيوده.

ويصل ابن نبي في نهاية المطاف إلى هدفه وهو تجريد فانون من حق التنظير للثورة الجزائرية، سواء أرادها هو أو أرادها له بعض رفاقه المعجبين به، وقد رأى ابن نبي أنه من الظلم أن نعزو ذلك إلى فانون أو نكلفه ما لا يطيق أو ما لا تسمح به قوانين الطبيعة، فليس فانون بصاحب هذه النظرية الثورية التي أرادها له البعض، ذلك أنه لكي يتكلم الإنسان لغة شعب معين (كالشعب الجزائري) يجب أن يقاسمه معتقداته، فكيف يصح ذلك مع فانون وهو إنسان ملحد (حسب تعبير ابن نبي)؟ أما دوره في بناء (مفهومية إفريقية) فيجب عدم التقليل من شأنه فيه، لأن ذلك سيكون من الظلم له، ولأنه من هذه الناحية يمثل كلا متكاملا لأن فانون يحمل في روحه كل روح إفريقيا، وكل تاريخها، وكل مأساتها (٢).

لقد جعلنا طالع الفصل هذا الرأي الحاسم لابن نبي عن فانون، لأن


(١) مالك بن نبي، آفاق جزائرية، ص ١٤٢.
(٢) ابن نبي: آفاق جزائرية، ص ١٤٢ - ١٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>