للوصول إلى الحقيقة، ولا شك أن عددا من علامات الاستفهام ستختفي مع أصحابها قبل أن تجد لها جوابا، ومما يزيد الأمر استغرابا بهذا الصدد أنه لا توجد أفكار مشتركة بين ابن نبي وعبان، كما لا نتصور أن بينهما تنافسا على زعامة ما.
يتهم ابن نبي عبان اتهاما لا غبار عليه بأنه كان يخطط لتحويل الثورة عن مسارها، وأنه رجل (مندس) في الثورة وليس منها، وأن دخوله (أو إدخاله) إلى الثورة كان عملا خارجيا، فهو خطأ - كما يقول - (مولد)، وليس خطأ نابعا من تحول ذاتي للثورة، أو اجتهادا شخصيا لتصحيح مسارها، وأن عبان كان لعبة في يد (الحاوي) الذي يرمز به ابن نبي إلى الاستعمار الذي يقدم ألعابه الخادعة إلى الناس في صورة تغيب عنهم معها الحقيقة، وفي نظر ابن نبي أن مصالي قد قام بدوره ربما عن حسن نية رغم أن مخططه كان يخدم الاستعمار لأنه كان متطابقا مع ما يريده (الاستعمار)، وأن مصالي قد كون في (مدرسته حفنة من الزعماء الصغار) فقتلوه وخانوا الثورة، ثم انتهى الأمر بأن تنكر هو نفسه للثورة تكبرا وغطرسة. أما عبان فإن ابن نبي متأكد من أنه رجل (متواطى ... فتصرفاته المريبة لا تترك ظلا من الشك على هذه الحقيقة،) فقد كان حتى آخر لحظة من حياته يرتضى لنفسه لعبة الحاوي (الاستعمار) ليجهز على الثورة ولكي يغتصب سلطتها ويحاول استعمالها ضد الثورة نفسها (١).
وإذا كان عبان من القادة البارزين وفي مسؤولية خطرة تجعله محط أنظار زملائه في الثورة وهدفا للهجمات الخارجية التي تريد أن توجه الثورة وجهة
(١) ابن نبي، مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي، دار الفكر (الجزائر) ودار الفكر (دمشق)، ط ١، ١٩٩٢، بسام بركة وأحمد شعبو، ص ١٢٢، ١٢٤، أيضا جريدة الرأي، ديسمبر ٢٠٠٢، انظر أيضا رأي أحمد (علي) محساس في عبان، ولعل من أخطاء عبان أنه كان لا يخفي زعامته الفردية في حين قامت الثورة نفسها على نفي هذا المفهوم.