للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل هو عند البعض ضد الدين والأخلاق. لذلك حكم الورتلاني بأن علم التاريخ (منعدم) عند أهل الجزائر، وهذه هي عبارته (علم التاريخ منعدم فيه وساقط عندهم فيحسبونه كالاستهزاء، أو اشتغالا بما لا يعني، أو من المضحكات المنهي عنها. فترى المتوجه منهم إلى الله يرى الكلام فيه مسقطا من عين الله تعالى .. ليس (هو عندهم) من علم يذكر، إذ لا طائل فيه أصلا بل بنفس ذكره عندهم ينكر) (١).

ولعل الذي أضر بالتاريخ عند الجزائريين المتدينين كونه منسوبا عندهم إلى الأخبار والسير العامة ومتصلا بالأدب والمجون، والغريب أن آراء ابن خلدون في التاريخ كانت معروفة عند بعضهم، وأن كتب التاريخ الإسلامي والسيرة النبوية كانت متوفرة، كما لاحظنا من دراستنا عن المكتبات. فكيف يسقط التاريخ عندهم إلى هذه المنزلة من الإهمال؟. ليس هناك من تفسير إلا سيطرة التصوف من جهة والخوف من الحكام من جهة أخرى. أما علاقة التاريخ بالتصوف فقد أشار إليها الورتلاني، وأما الخوف من الحكام فالمعروف أن التاريخ عندئذ كان تاريخا لكبار السياسيين، وأنه كان لا يدرس للثقافة والمتعة والعبرة والتقليد. وسنعرف أن معظم الذين كتبوا في التاريخ أثناء العهد العثماني كانوا مؤيدين بل كانوا يكتبون على لسان الأمراء والولاة، ولم يكن لأهل الصلاح فائدة من دراسة علم لا يعرض إلا لحياة الملوك

والأمراء وكبار المسؤولين.

ومع ذلك فإن تعريف التاريخ عند المؤرخين الجزائريين ظل غامضا،

فهم يخلطونه بالدين تارة والسيرة تارة أخرى، وبالعلم أحيانا وبقيمة الإنسان وسمعته الاجتماعية أحيانا أخرى. فقد قال ابن المفتي في تعريف التاريخ ما يلي: (وبعد، فإن علم التاريخ عبادة ومنة جزيلة، ومعرفة أخبار العلماء منقبة جليلة) (٢)، وكان هذا تمهيدا من ابن المفتي لدراسة أخبار العلماء وأخبار الباشوات الذين ألف رسالته فيهم، بينما عرف أبو راس علم التاريخ والأخبار


(١) الورتلاني (الرحلة)، ٥٩٧.
(٢) نور الدين عبد القادر، ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>