للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأنه (تحفة المجالس، المفتي عن الأنيس والمجالس) (١) وكان أبو راس يريد بذلك قصص الأولين وسير الأنبياء وأخبار الحكام، ذلك أن هذا المفهوم (القصصي) للتاريخ هو الذي كان شائعا حتى أن من عرف بالحفظ وطلاقة اللسان وسرعة البديهة يقال له عالم بالأخبار والسير، مثل ما أشيع عن محمد بن عبد المؤمن ومحمد بن عبد الكريم الجزائري، وقد بين أبو راس أهمية علم التاريخ فقال لقد اعتنى به الأدباء الأفاضل وجهابذة كل طبقة وملة (من صلحاء السلف، وحذاق الخلف، في كل عصر .. فألفوا وأفادوا وصنفوا وأجادوا)، ثم ذكر أهم أسماء المؤرخين المسلمين إلى أن وصل إلى السيوطي وأحمد المقري، كما ذكر عددا من المؤرخين قبل الإسلام (٢).

أما الورتلاني فقد دافع عن التاريخ وبين فضله ومنزلته بين العلوم، وقد قال إن علم السير لم يكن سوى جزء من التاريخ، فكيف يدرس الجزائريون حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وقصص الأنبياء ولا يدرسون التاريخ الذي امتلأت به كتب السيرة بل القرآن نفسه؟ ألم يقل الله تعالى {وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك}؟ ألم يرو في الحديث الشريف أن التفكير في الماضي ساعة أفضل من عبادة سنوات عديدة؟ ثم إن (مرتبة العلماء تزيد أو تنقص بقدر معرفتهم للتاريخ) لأنه علم يزيد الإنسان في الفضائل ويبعد عنه القبائح، انه علم تعلو به همة الإنسان، لأنه يدفع إلى المعالي من الأمور، أليس أكثر القرآن من علم التاريخ؟ ومن الممكن أن يعتبر ذام التاريخ مرتدا لأن ذمه يقود إلى ذم القرآن نفسه وهو الذي يحتوي على أخبار الماضين وأحوال الجبابرة المنقرضين، وأولياء الله الصالحين، لذلك نصح الورتلاني القارئ بأن لا يهمل علم التاريخ وأن يصحح علمه به، بشرط الاعتماد على الكتب الصحيحة والنقول السليمة (٣).

ومما يلفت النظر أن المؤرخين الجزائريين بالمفهوم السابق قد قصروا


(١) أبو راس (الحلل السندسية)، مخطوط باريس، ٤٦١٩.
(٢) أبو راس، مقدمة (عجائب الأسفار) مخطوط الجزائر وباريس.
(٣) الورتلاني (الرحلة)، ٥٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>