للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعمالهم على التواريخ المحلية والتراجم والرحلات، ولم يكتب واحد منهم تاريخا عاما للجزائر كلها غطى فيه أخبارها داخل حدودها من القديم إلى الحديث أو حتى في القرن الذي يعيشه. فالمؤرخ كان يعيش حدودا ضيقة فرضتها عليه السياسة والثقافة والجغرافية. فالعثمانيون لم يطوروا فكرة التواصل بين المؤرخ وبيئته فظلت البيئة عنده هي حدود القرية أو الناحية أو الحادث إذا كان مثلا يكتب عن فتح وهران من خلال حياة الوالي المسؤول عن ذلك. كما أن المؤرخ أو المترجم ظل حبيس الزاوية أو المدرسة التي تخرج منها فلا يترجم أو يكتب إلا في نطاق محصور، تمليه عليه ثقافته. وكانت الجغرافية عاملا هاما في الموضوع، فالقطر الجزائري في عصر المواصلات البدائية كان يبدو وكأنه قارة بذاتها، واسع الأطراف من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب، ونحن نجد (الحس الوطني) قد ظهر إلى حد كبير عند الورتلاني الذي طاف معظم القطر وسجل انطباعاته للأجيال اللاحقة، ولعل نفس الظاهرة نجدها عند أبي راس. وهكذا افتقر التاريخ الجزائري إلى عمل تناول فيه أصحابه، بنظرة شاملة، تاريخ القطر وحياة أهله حتى على أساس النظرة القديمة للتاريخ من كونه تاريخ أمراء وملوك.

وكما افتقر المؤرخون الجزائريون إلى النظرة الشمولية للتاريخ الوطني افتقروا إلى النظرة الشمولية أيضا في التاريخ للإسلام، ذلك أنه باستثناء الأعمال الجزئية التي تناولت السيرة النبوية، لا نجد مؤرخا جزائريا قد أرخ للإسلام أو العرب بالمعنى العام (١)، وأقرب من توسع في هذا المعنى هو أحمد المقري في موسوعته (نفح الطيب) وأبو راس في (الحلل السندسية)

وبعض أعماله الأخرى، غير أن تاريخ الرجلين ظل مركزا على الأندلس،


(١) ينسب إلى ابن أبي حجلة كتاب في التاريخ العام وصل في جزئه الثالث إلى ملوك
العرب وأنسابهم (انظر تيمور ٩٨٤ تاريخ، ٤٨٥ صفحة). ولكن ابن أبي حجلة عاش قبل العهد العثماني بمدة طويلة، ونفس الشيء يقال عن المشروع الضخم الذي كان يعده ناصر بن مزني البسكري عن التاريخ وأخبار الرواة المسلمين. انظر عنه ابن حجر (أنباء الغمر) ٣/ ٢٣٥. انظر عنه أيضا الفصل الأول من الجزء الأول.

<<  <  ج: ص:  >  >>