والغريب أن علماء الجزائر قد اشتهروا بالحفظ، وكان علم التاريخ بالمفهوم القديم يقوم على الحافظة القوية للمؤرخ، ونحن نجد عالما كأبي راس يسرد قائمة المؤرخين المسلمين ولكنه، رغم كثرة تأليفه، لم يخصص مجلدا لتاريخ العرب أو المسلمين، وحين أراد ابن حمادوش الاستفادة من كتب
التاريخ الإسلامي رجع إلى ابن الكردبوس وابن العبري والعليمي، وغيرهم ولم نعرف أنه ألف هو في التاريخ العام.
وهناك نقطة أخرى بهذا الصدد نود أن نشير إليها وهي اعتماد معظم الذين تناولوا قضايا تاريخية أو تراجم، على شرح القصيدة أو الرجز. فأساس التأليف التاريخي إذن هو الأدب، إذا حكمنا من الوزن والقافية. وبذلك يصبح التاريخ عند هؤلاء هو تفسير ما عجز أو ضاق عنه الأدب. فالمؤرخ كان يقوم بعمل يعتمد على الحافظة أكثر من الذكاء والموهبة، ولا يعني هذا أن القصائد أو الأراجيز التي تناولت موضوعات تاريخية كانت قمة في الأدب، ولكن يعني فقط أن العمل الأول للمؤرخ قد وضعت خطوطه أو تصميماته من خلال العمل الأدبي. وكثير من شراح القصائد والأراجيز التاريخية، والتراجم، سواء منها التي تتناول حوادث كفتح وهران أو سيرة بعض الناس، كانت قد وضعت أساسا في شكل قصيدة أو رجز.
ويكفي أن نشير هنا إلى رجز المفتي محمد الحلفاوي في فتح وهران
الأول وقصيدة أبي راس في فتح وهران الثاني، ورجز التجاني المسمى
بـ (عقد الجمان النفيس)، وبعض هذه الأراجيز والقصائد قد شرحها أصحابها أنفسهم كما فعل ابن سحنون. وأبو راس، وبعضها شرحها غير أصحابها كما فعل الجامعي مع أرجوزة الحلفاوي، ومحمد المزيلي مع منظومة عقد الجمان، ولكن بعض القصائد والأراجيز ظلت دون شرح أصلا كـ (الدرة المصونة) للبوني، و (سبيكة العقيان) لابن حوا، وهذا لا يعني أن جميع الأعمال التاريخية كان أساسها الرجز أو القصيدة، فهناك أعمال أخرى كتبها أصحابها مباشرة نثرا تاريخيا، أو مجموعة من التراجم، مثل (القول البسيط) لابن بابا حيدة، و (البستان) لابن مريم، وقد شذ محمد بن ميمون فجعل