للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد لخص الشيح أبو يعلي الزواوي حالة هذا التعليم في جمل قصيرة ومفيدة سنة ١٣٦٧ هـ في مقالة نشرها في البصائر. فوصف التعليم العربي الإسلامي بأنه كان بدون إشراف الحكومة في العهد العثماني وأنه كان يكتفى بتعليم القرآن والعربية تبركا فقط، وأن الزوايا وغيرها لم تكن تتبع إدارة موحدة ولا برنامج يضبط مراحل التعليم، ثم قال: (وبينما نحن كذلك ... إذ استولت علينا فرنسا فصار الأمر ضغثا على إبالة، فتمادى عدم الفرض على طلب العلم وفقدان الباعث ... فالحكومة الفرنسية اعتنت بلسانها فبثته وأيدته وعززته، فتوقف الكثير من الناس، ولم يرغبوا فيه خشية أن يتفرنجوا ويتفرنسوا ويتخلقوا بخلق الإفرنج المباينة للعربية والإسلامية. ثم هم كذلك إلى ما بعد ثورة عام ١٨٧١، فتم الاستيلاء على جميع الوطن جبرا وقهرا، فتمكنت الحكومة في البادية (١)، التي كانت بمعزل عن التعليمين العربي والإفرنجي، فأسست المدارس الفرنسية، وألزمت الناس ببعث أولادهم إلى تلك المدارس إجبارا، وقررت لذلك عقوبات للمتخلف فتم الدست على العربية وخلفتها الفرنسية، وأقيمت مقامها، فالأولاد الذين كانوا يقرأون العربية تركوها فصاروا يقرأون الفرنسية منذ نحو ثلثي القرن. ثم من الطامة الكبرى أن قد صار المعلمون في تلك المدارس الفرنسية ينهون عن العربية بأنها تتعب الأولاد وتشوشهم وتكلفهم ما لا يطيقون، وأن لا بد من الاقتصار على الفرنسية، وأن من خالف ذلك أو قاوم أو نازع يعاقب بالأنديجينية، فانعدمت العربية ...) (٢).

والشيخ أبو يعلى يقصد هنا الصراع بين اللغتين في مراحله المختلفة. ولا يفهم منه أن الفرنسية كانت منتشرة لتعليم الجزائريين


(١) يعني في المناطق الريفية التي جرت فيها الثورة، ولا سيما منطقة زواوة.
(٢) أبو يعلى الزواوي (جماعة المسلمين) ط. ١٩٤٨، ص ٥٠ - ٥١، من مقال كان قد نشره في البصائر، عدد ٢٥ (١٣٩٧). ويقصد (بالانديجينية) قانون الأهالي البغيض الخاص بمعاقبة الجزائريين دون غيرهم. ونلاحظ أن معظم ما ذكره الشيخ أبو يعلى إنما كان يخص منطقة ثورة ١٨٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>