الفرنسية بعد الثمانينات (١). ولكن كل ذلك لم يجعل الزوايا ترفع العلم الأبيض. فقد بقي (في الزوايا خبايا) كما يقولون، ومن هذه الخبايا سيتخرج جيل مطعم بالتأثير العربي الإسلامي وبالجو العام الفرنسي، وسيكون هو العمود الفقري لحركة الإصلاح القادمة. وقد وجد هذا الجيل احتياطيا قويا في خريجي المعاهد الإسلامية الذين كانوا مهمشين وغرباء في بلادهم، إلى أن فتح الفرنسيون مجال التعليم من جديد في عهد كامبون، بشرط طلب الرخصة حسب قانون أكتوبر ١٨٩٢، فأقدم الجزائريون على إحياء التعليم في مختلف مجالاته، في الزاوية والمسجد والمدرسة. وعند حديثنا عن الشيوخ الذين أوكل إليهم التعليم المسجدي سنعرف من كان منهم خريج الزاوية، ومن كان خريج المدرسة الشرعية، ومن درس في المعاهد الإسلامية خارج الجزائر.
تلك آراء ومواقف الفرنسيين وبعض الأروبيين من التعليم العربي الإسلامي في الجزائر ومصيره. وقد اعتنى عدد من الجزائريين أيضا بهذا التعليم، بل دعاته، وانتقد منهجه ودعا إلى إصلاحه وتطويره. ومن الجزائريين من وظفته السلطة الفرنسية للدعوة إلى التعليم الفرنسي فقط، كما سنرى ذلك في آراء كتاب جريدة (المبشر). ولكن معظم الجزائريين لم يدعوا إلى نبذ تراثهم التعليمي، بل دعوا لتطويره لكي يتماشى مع الروح الإسلامية نفسها ومع روح العصر. ومن هؤلاء عبد القادر المجاوي في رسالته (إرشاد المتعلمين) وبعض كتبه الأخرى، ومحمد بن أبي شنب في ترجمته لبعض النصوص المتعلقة بالتربية عند المسلمين، ومحمد السعيد بن زكري في رسالته (أوضح الدلائل). وكل هؤلاء فعلوا ذلك قبل ظهور الحركة الإصلاحية الباديسية. وفي عهد هذه الحركة وقع تطوير التعليم العربي الإسلامي فعلا، وحلت المدرسة، كما قال جوزيف ديبارمي، محل المسيد (أو المكتب)، وحل المعهد محل الزاوية، بل أن الزاوية طورت نفسها أيضا لتواكب العصر والحاجة.