والتراث العربي الإسلامي. ولذلك زعزعوها من جذورها. ولم يكونوا يثقون في المتخرجين من الزوايا ولا من الذين يتخرجون من القرويين أو الزيتونة أو من الأزهر. وقد أسسوا المدارس الشرعية الرسمية الثلاث لتخريج من يحتاجونه في الوظائف الدينية والقضائية دون الحاجة إلى خريجي الزوايا أو معاهد المغرب أو تونس أو مصر. وبنى الفرنسيون بعض المدارس الابتدائية العربية - الفرنسية لتنافس تعليم الزوايا والمعمرات وللتأثير على جيل من المتعلمين لا رابطة بينه وبين ما يسمى التعليم الديني أو التقليدي. ولم يعد في استطاعة الزوايا التوسع في أوساط الأعراش وفي المدن كما في الماضي لأن مرسوم الأرض المشار إليه أخذ صلاحيات كثيرة من القيادات العربية السابقة وبدأ في تدجينها بتقليص مساحات نفوذها ونزع أهم اختصاصاتها وإدخال منافسين جددا ليسوا من أهل السيف. وبذلك ضعف التعاون الذي كان بين أصحاب الزوايا (المرابطين) والأجواد أو الحكام في هذا المجال، ونعني به مجال التعليم. وما دامت الزوايا لم تجد طريقا للتوسع فقد انطوت على نفسها، كما ذكرنا، واستعملت وسائل أخرى ربما تكون غير علمية كالاكتفاء بتحفيظ القرآن، واللجوء إلى اتخاذ الرموز والتلغيز وكتابة الحروز، وتمني الأماني على الله.
ولكن يجب ألا يفهم من هذا اختفاء الزوايا ودورها التعليمي تماما. فرغم التدهور الذي أصابها خلال الستينات، كما ذكرنا، فإنها قد استمرت في أداء مهمتها في بعض المناطق كالجنوب وزواوة والأوراس. وكان بعضها يكتفي بالحد الأدنى (المسموح به) وهو تحفيظ القرآن الكريم ومبادئ الدين كزاوية تماسين التجانية وزاوية قمار، وزاوية أولاد الأكراد وزاوية العطاف، وبعض زوايا المدن التابعة للطرق الصوفية كالحنصالية في قسنطينة. ويذهب روبير آجرون إلى أن السلطات الفرنسية قد قامت بغلق بعض الزوايا اعتباطيا، تبعا للضغط عليها من الكولون، بعد ١٨٧٠ (١). ولعل ما زاد في إضعاف دور الزوايا التعليمي قبول بعض رجالها التوظف في الوظائف المدنية