يكون في البداية ولكنه سيكون خلال مائة سنة - قرن أربعطاش -. وهكذا يقدم الشعر المواساة والمسكنات لقلق الناس على مصائرهم وفقدانهم الأمل والحرية.
وهناك من بلغ به اليأس درجة عالية فأدمن الخمر وانتظر القضاء يحكم له، فمات غما وكمدا، مثل الشيخ المختار بن فرحات. فقد ذكر المستشرق لويس ماسينيون أن المختار كان من عائلة كبيرة تنتسب إلى قبيلة بني المعارز (؟) وعاصر الاحتلال منذ كان جده، وهو الحاج المبروك، صيادا ماهرا للأسود. ورغم أنه اصطاد ٢٦ أسدا فإن الأسطورة الشعبية تذهب إلى أن الحاج المبروك قد اصطاد ٩٩. وكان الحاج المبروك عندئذ في رفقة بعض الجنرالات الفرنسيين. أما حفيده المختار فقد ولد حوالي ١٨٦١ وحفظ القرآن الكريم في موطنه وأصبح (طالبا) كثير الفضول والاهتمام، شديد الذكاء. كان نقادا وله روح حية ونادرة بين زملائه في المدرسة. ولا ندري إن كان قد درس في المدرسة الفرنسية الرسمية أيضا، لأن ماسينيون يقول إنه كان يقارن بين النصوص القرآنية والنصوص الموسوية (اليهودية)، وأنه كان يخالط الربيين، وأنه درس على أيديهم اللغة العبرية.
ولكن المجتمع الإسلامي، حسب ماسينيون، لم يتسامح معه، وهجر المختار وانتقده وشك فيه. وكان المختار قد جاء إلى مدينة الجزائر باحثا عن عمل. ولكنه وجد نفسه فيها غريبا، وعانى الكثير من الغربة في نفسه وبدنه. وأصيب بالإحباط، فقال قصيدة عتابية للزمان. وهي تتألف من ٥٠ بيتا. انتقد فيها العادات، وأبدى ذوقا إسلاميا مخلصا (حسب تعبير ماسينيون) وإيمانا بالإسلام. ولكنه في نفس الوقت أظهر ما للفرنسيين (الأروام) من وسائل القوة المادية والمعنوية، وانتقد قومه على تركهم الروم يتصرفون في أمور الجزائريين، فيعاقبون على الجرائم ويتصرفون في العدل - الشريعة - قائلا: إنه لا طالب ولا طبيب يداوي هذا الوضع الذي عليه الجزائر. وقد حكم ماسينيون من ذلك على أن الشاعر كان يائسا من الإصلاح ومن الزمان وأهله. ولذلك توسل الشاعر إلى الله بالأغواث والأقطاب والأبدال الصوفية، لكي