كثير من الباحثين اهتموا بفئة العلماء في الدولة العثمانية، لما كان لها من القيمة في الدين والسياسة وشؤون الحياة عامة. وقد بلغ الاهتمام عند بعضهم أن جعلها تمثل القسم الثاني من نظم الدولة بعد أن جعل القسم الأول هو النظم السياسية. فالباحثون ليباير، وهاميلتون جيب، وباون ومن تبعهم قد قسموا نظم الدولة العثمانية إلى قسمين رئيسيين. النظم الحاكمة، وهي السلطان والوزير والجيش والولاة وغيرهم من الإداريين والماليين والعسكريين، والنظم الإسلامية التي جعلوا على رأسها العلماء ورجال الدين بصفة عامة. ورغم أن هذا التقسيم قد بدأ يتزعزع إلا أنه لا أحد استطاع حتى الآن أن يقلل من أهمية دور العلماء في الدولة فقد كان المفتي أو شيخ الإسلام في إسطانبول مقدما على الوزير الأول، وكانت كلمته ضرورية لإعلان الحرب وعقد السلم وقبول أو رفض نظام معين. ونفس الشيء يقال عن أهمية دور الدراويش، ولا سيما دراويش الطريقتين البكداشية والمولوية (١).
وقد كانت الجزائر في العهد العثماني هي إسطانبول الصغرى، كما سماها بعضهم، في نظمها السياسية والإدارية. ولا تكاد تختلف من حيث النظم عن إسطانبول إلا في بعض التفاصيل، بما في ذلك نظام العلماء. فقد لعب علماؤها نفس الدور الذي لعبه علماء إسطانبول في الحرب والسلم وفي التحرر والثورة أحيانا وفي التنافس على الوظائف والمناصب وفي حماية الدين والدعوة إلى الجهاد، وسنرى أن الجزائر كانت كإسطانبول أيضا تستقبل العلماء الزائرين من أطراف العالم الإسلامي، كما كانت مثلها تفتقر إلى جامع عريق أو جامعة إسلامية مهمتها تخريج الفقهاء والعلماء والأدباء وكتاب
(١) انظر جيب وباون (المجتمع الإسلامي والغرب) خصوصا القسم الثاني منه.