للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجمال. وفي أذهانهم أن البازارات تلمع بالجواهر وتفوح منها روائح الهند وسمرقند، وتتدلى منها المطروزات الحريرية ذات الألوان الباهرة والغريبة. والريف كان يفاجئهم بالإنسان البدوي الذي يعبر عن البراءة المتوحشة، وهو الإنسان النموذجي الذي كان يبحث عنه الرومانتيكيون، وهو يعني عندهم إنسان الفطرة الصافية (١). والطبيعة ملأت أنظارهم بالزرقة الفاتنة - زرقة السماء والبحر، والضوء الغامر، ضوء الشمس الإفريقية. فالمدن والأرياف، والإنسان والشمس والبحر ومفارقات الساحل والصحراء وتناقضات الشرق والغرب، كلها أعطت للفنانين رؤية جديدة للحياة، وقد عبروا عنها في لوحاتهم ومؤلفاتهم وتماثيلهم وقصصهم وأشعارهم.

ومنذ ١٨٣٠ انطلقت تجارة السياحة والسفر إلى الجزائر على قدم وساق. وكان وراءها (أدلاء) السفر، تلك الكتيبات التي تضم وصفا مغريا للبلاد وأهلها ولغتها وعاداتها وتقاليدها، وتنظيم الزيارات فيها ووسائل الإقامة وأثمانها، وقد ضاعفت مع الأيام واستقرار الإدارة العسكرية والسيطرة على المدن. وكانت الصحف توالي نشر أخبار الجزائر وأوصافها، وكانت الحكومة الفرنسية نفسها تشجع الفنانين والأدباء على زيارة الجزائر والكتابة عنها ليعرف الرأي العام الفرنسي والأوروبي عنها، ويوجه المهاجرون إليها بدل أمريكا وأستراليا. وهكذا جاء دي لاكروا، وفيرنيه، وفرومنتان، وثيوفيل غوتييه، وألفونس أوديه، والاخوان غونكور، والإسكندر دوماس، وشاصيرو، وآخرون (٢). وهناك فنانون جاؤوا الجزائر زائرين فقط، وهناك


(١) انظر كتاب آن تومسون (بلاد البربر في أعين المتنورين الأورويين)، نيويورك ١٩٨٧، وقد راجعناه وبعثنا ذلك للنشر. وعن أوائل من زار الشرق والجزائر من الفنانين، انظر أيضا جان ألازار في كتاب (مدخل إلى الجزائر) ١٩٥٧، ٣٥١. وكذلك عفيف بهنسي (أثر العرب في الفن الحديث)، ٥٤، وهنا وهناك. وجان كلود بيرشيه Berchet (الرحلة إلى الشرق)، باريس ١٩٨٥.
(٢) من الذين زاروا الجزائر أيضا الأديب غوستاف فلوبير (١٨٥٨) فزار سكيكدة وعنابة وسوق أهراس وقالمة. وأندري جيد الذي زار الساحل والصحراء، مثل فرومنتان. عن أدلاء السفر وحركة الأدباء الفرنسيين في الجزائر انظر شارل نجار (الجزائر في =

<<  <  ج: ص:  >  >>