١٨٣٠ الذي ينص على احترام الدين الاسلامي ومعابده، ثم هم، وليس رجال الكنيسة، الذين هدموا المساجد وجعلوها مستشفيات واسطبلات ومخازن، وتحت سلطتهم تحول بعضها إلى كنائس، وهم الذين صادروا الأوقاف، وقطعوا عن الكتاتيب القرآنية مواردها. والقائمة طويلة. ومنذ ١٨٣٨ تعاونوا مع دوبوش وخلفائه على تحطيم الحياة الاسلامية، كالقضاء والتعليم العربي، والمساعدة على انتشار الخمر وأماكن الفساد الأخلاقي (١)، وجلب الجزويت الذين منعوهم من العمل بفرنسا. والقائمة هنا طويلة أيضا. والفرق الذي يبدو للعيان هو أن رجال الدين كانوا يريدون المواجهة وتحدي المسلمين مباشرة متغطين بالجيش والسلطة. أما المسؤولون المدنيون والعسكريون فيريدون عدم المواجهة واتخاذ أسلوب التوغل الهادئ والتسرب البطيء، للوصول إلى نفس الهدف.
يقول بعض الكتاب إن الجزائريين أنفسهم شهدوا على عدم تدين الفرنسيين. فقد كانوا يظنونهم (أهل كتاب) واتباع عيسى بن مريم - عليه السلام - عن حقيقة. وينسبون إلى الأمير عبد القادر قوله: إن هؤلاء الفرنسيين ليس لهم دين. وذلك بعد أن وجدهم على غير ما كان يعتقد فيهم. ويقولون إن الجنرالات وبعض الكولون الأولين كانوا متأثرين بأفكار فولتير المتنورة وبعيدين عن روح الدين. وقد ذكرنا أن حركة التنوير والحركة الرومانتيكية، والليبرالية المادية، والفكر الجمهوري والنظرية الاشتراكية المثالية والماسونية، كلها كان لها تأثير في الفرنسيين عبر المراحل المختلفة. وهذا صحيح إلى حد كبير بالنسبة لبعض الحكام وأصحاب الجرائد والجمعيات. ولكن عندما تأتي المصلحة الفرنسية فالكل يصبح واحدا، ولا يهم بد ذلك أن تكون المصلحة من جهة رجال الدين أو
(١) كتب بلاكسلي (وهو قسيس) أوائل الخمسينات من القرن الماضي، إن الفساد قد انتشر بعد الاحتلال بدرجة مريعة. وذكر أن الأطفال غير الشرعيين بين ١٨٣١ - ١٨٣٦ كانوا لا يقلون عن ٢٤٤ في الألف، بينما كانوا في فرنسا كلها ٧٢ في الألف. انظر (أربعة أشهر في الجزائر)، لندن ١٨٥٩، ص ٤٤.