للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مدرسو تلمسان أيام بني زيان (١)، رغم وجود بعض المتطببين والصيادلة، كما لا نعرف من اشتهر بتدريس علوم النبات والحيوان أو الرياضيات أو الكيمياء أو علم الملاحة، ومن العلوم التي كان الحديث يكثر فيها، علم الجغرافية والتاريخ والتراجم (المناقب) وهناك من ألف طبعا في هذه العلوم الثلاثة، ولكننا لا ندري من برز في تدريسها من الأساتذة. ونحب أن نلاحظ أن التاريخ كان في جميع أنحاء العالم عندئذ ما يزال فرعا من فروع الأدب. وكان يروى في شكل أخبار عامة فيها الصدق والكذب والمبالغات العجيبة والحكايات الغريبة. وممن اشتهر برواية الأخبار والتواريخ محمد بن عبد الكريم الجزائري وأبو راس وأحمد المقري. أما الجغرافية فالظاهر أن المعرفة بها كانت لا تعدو معرفة بعض مواقع الأقاليم والطرق والعواصم الإسلامية وبعض الخرائط. وقد ألف بعض الجزائريين عددا من الرحلات التي تدخل عادة ضمن علم الجغرافية. وأما الطب فقد كان يتعلم بالعادة والممارسة لا بالتدريس والتحصيل كما أسلفنا.

ولعل عدم تدريس الجزائريين للعلوم المحضة وممارستها هو ما جعل بعض الملاحظين الأجانب يهاجمون بشدة التعليم الجزائري عندئذ، ولا شك أن هجومهم فيه كثير من الحقيقة. فالجهل بالعلوم التجريبية وهي التي كانت شائعة في العصور الإسلامية الزاهرة والتي ألف فيها أكبر علماء المسلمين، كان غير مغتفر لمدرسي وعلماء الجزائر، كما أن إحلال التصوف محل الفلسفة (رأس الحكمة وأمها) ومدارسة العلوم الدينية والأدبية وحدها كان جناية على العقل الإنساني اشترك فيها المسؤولون والمدرسون على السواء. فقد قال الطبيب الإنكليزي شو إنه حاول عندما وصل إلى الجزائر أن يلتقي بالعلماء فعثر على أكبر عالم في الفلك فكان هو الذي يشرف على أوقات الصلاة ولكنه كان غير قادر حتى على إدارة عدال الشمس (المزولة)، ولعل في هذا القول بعض المبالغة ولكن فيه كثير من


(١) انظر رحلة عبد الباسط بن خليل الذي ذكر أن ابن فشوش كان ماهرا في الطب في الدرس والمزاولة.

<<  <  ج: ص:  >  >>