للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحساب والنحو (ليذوقوا لذة العلم) (١).

وقد فرق بعضهم بين العلوم التي تبذل لطالبيها والعلوم التي تمنع عنهم. فأما علوم التوحيد والشريعة فيجب بذلها لطالبها، وأما علوم الصنائع والقضاء وأسرار الحروف فيجب، في نظرهم، التفرس في طالبها، فإن كان ورعا لا يخدم بها السلطان ولا يتعملها في أغراض سافلة فيعطاها وإلا كتمت عنه، ولا شك أن هذا هو رأي المتصوفة أو من يقرب منهم، فقد قال محمد بن سليمان ان (العلوم التي يجب بذلها إن تعينت ويندب إن لم تتعين إنما هي علوم التوحيد والشرائع العينية ومعاملة العبد مع مولاه التي لا يستغنى عنها. فمن كتمها عن سائلها ناله وعيد قوله (صلى الله عليه وسلم) من سئل عن علم نافع فكتمه ألجم بلجام من نار. وأما العلوم الكفائية كالأحكام والقضاء والصنائع والحرف التي لم يكلف الله بها إلا من قام بها من الآحاد، وكذا حكم الله وأسراره في آياته وأسمائه، وكذا الجدول وأسرار الحرف، إلى غير هذا من الدعوات، فتنظر لطالبها فإن توسمت فيه خيرا وصلاحا وورعا يحجزه عن أن يتوصل بذلك إلى الأغراض الفاسدة كخدمة السلاطين. فهو كالأول وإلا فيحرم بذله له. وأسرار الله لا تبث إلا للخواص، أهل القلوب الصافية والفطر (السليمة). وهو يقصد بأسرار الله علوم التصوف ومعارفه، وهي صنف ثالث من أصناف العلوم إلى جانب ما سماه بالعلوم الشرعية والعلوم الكفائية (أو الدنيوية) (٢). وقد عاش ابن سليمان في منتصف القرن الحادي عشر (١٧ م). ويبدو أن معظم العلماء كانوا في عهده يطبقون هذه النظرية في بث العلوم، ولذلك ضعفت العناية بالعلوم الدنيوية التي ذكرها، ليس كتمانا لها ولكن جهلا بها.

ولم تكن العلوم التجريبية والتاريخية تدرس في الجزائر خلال العهد العثماني، فلا نعرف أن أحد المدرسين قد عرف بتدريس الطب مثلا كما كان


(١) ابن حمادوش (الرحلة) مخطوطة.
(٢) ابن سليمان، (كعبة الطائفين)، ١/ ٢٨٧. نسخة باريس.

<<  <  ج: ص:  >  >>