للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المدارس القديمة، وذلك بقطع مصادر الوقف عنها. والثانية هي الاكتفاء بتدريس العربية الدارجة لضباط الجيش والراغبين في العمل الإداري من الفرنسيين. وقد تركوا المسلمين يحفظون القرآن وحده في الكتاتيب بدون دراسة للعلوم المساعدة على فهمه وتفسيره. ومن ثمة بقي القرآن في الصدور دون الكتب ودون تطبيق تعاليمه على الحياة العامة. وكادت تختفي العلوم العربية (النحو والصرف والبلاغة والإنشاء والعروض، الخ). والعلوم الدينية (الفقه والتوحيد والحديث والتفسير، الخ). لولا وجود الزوايا القليلة التي تأثرت هي أيضا ولوضع العام (الاستيلاء على الأوقاف والحروب، والغلق) ولكنها مع ذلك واصلت تعليم العلوم المذكورة بطريقة تقليدية.

أما تدريس العربية الدارجة فقد تولاه الفرنسيون أنفسهم. حقا لقد بدأه بعض المشارقة الذين رافقوا جيش الحملة، مثل جوني فرعون (وهو سوري - مصري) سنة ١٨٣٢، ثم واصله لويس برينييه منذ ١٨٣٦ (١). وقد شاركه في ذلك عدد آخر من المستشرقين الذين انتشروا في غرب البلاد وشرقها، ومنهم شيربونو في قسنطينة، وماشويل في وهران. وصدرت عن هؤلاء مجموعة من الكتب التعليمية بالعربية الدارجة والفرنسية، وهي كتب تقرأ من اليسار إلى اليمين، كما صدرت عنهم قواميس في نفس الموضوع. وكان التلاميذ في كل ولاية بين الثلاثين والخمسة عشر في كل موسم. ومعظمهم كانوا عسكريين في المرحلة الأولى (إلى ١٨٧٠)، وكانت تعقد لهم المسابقات وترصد الجوائز. وكانت تنتظرهم الوظائف في المكاتب العربية العسكرية، وفي الإدارة المركزية، كما أن بعض المدنيين قد استفادوا من هذه الدروس. وقد أصبح الخريجون عادة مترجمين بدرجات متفاوتة تحدث عنها شارل فيرو في كتابه (مترجمو الجيش الإفريقي) (٢)، ويمكن أن نسميهم مستعربين.

وهل يعني هذا أن الفرنسيين لم يدرسوا اللغة العربية الفصحى؟ الواقع


(١) انظر فصل الاستشراق.
(٢) فيرو (مترجمو الجيش الإفريقي)، الجزائر ١٨٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>