للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أوروبية ليثوروا من جديد رغم قربهم من ثورة ١٨٧١ (١). وقد أدان لافيجري النظام المتبع في الجزائر، ولكنه لم يطالب بالانسحاب وإنما بإحكام القبضة والاستعداد الدائم للخطر، ولذلك أوصى بتأخير احتلال تونس وتأجيل نصب الحماية عليها إلى ما بعد الحرب الأوروبية المتخيلة والوشيكة في نظره. ومن رأي لافيجري أن فرنسا قد أنجزت الكثير في الجزائر، طرقات، وموانئ وقرى ومدن، ومزارع واستثمارات، ولكن النتائج لا تتناسب مع التكاليف، ذلك أن المصاريف كانت تفوق في نظره العائدات بعشرة ملايين فرنك بحساب وقته، ووجد أيضا أن عدد الجنود الفرنسيين الذين ماتوا في الحروب أو في المستشفيات بسبب الظروف المناخية كان يفوق عدد الكولون الموجودين في وقته. ومن رأيه أن هذه حقيقة معروفة للجميع ولكنهم يتحرجون من ذكرها لأنها تمثل إدانة للنظام المتبع حتى ذلك الحين. وهو كرجل دين وسياسة رأى أن هؤلاء الكولون (الفرنسيين بالذات، لأنه كان يتحدث عن الأوروبيين الذين تجنسوا بالفرنسية) قد أضاعوا خصالهم الحميدة كالأمانة وحب الأرض الوطنية، ما عدا بعض الاستثناء. وهناك في رأيه من كان يحرض هؤلاء الفرنسيين حتى على الانفصال عن فرنسا، كما حدث سنة ١٨٧٠ عندما دعا مجلس بلدية الجزائر المغامر الإيطالي (غاريبالدي) ليرأس الجزائر ويفصلها عن فرنسا.

أما عن الجزائريين في نظر لافيجري فقد كانوا (في هيجان مخيف للغاية) ولا سيما الزواويون الذين سخطوا من انتزاع أراضيهم ومنحها للكولون، كما أن الصحافة الاستعمارية كانت تتحداهم وتقول لهم إن المزيد من الأراضي سيؤخذ منهم قريبا. وانتقد سياسة الجمهورية الثالثة المتسرعة في إحلال متصرفين مدنيين لا خبرة لهم محل المتصرفين العسكريين. وكان عليها أن تتريث وأن تحافظ على السياسة القديمة (العسكرية) فترة أخرى. وفي نظر لافيجري، كما في نظر معظم الفرنسيين، أن الجزائريين لا يخضعون


(١) عن حياة ونشاط الكاردينال لافيجري، انظر فصل الاستشراق ... والتنصير.
عن حياة ونشاط الكاردينال لافيجري، انظر فصل الاستشراق ... والتنصير.

<<  <  ج: ص:  >  >>