لجزائر القرن التاسع لم تكن مضبوطة وثابتة. وكلمة الجزائر عندئذ لم تكن تطلق إلا على مدينة ساحلية صغيرة قليلة الأهمية، ولم تكن تعني بأية حال (القطر الجزائري) المعروف الآن. فهذا المفهوم لكلمة (الجزائر) لم يصبح معروفا إلا منذ القرن العاشر أي أثناء الحكم العثماني. بل إن عبارة (المغرب الأوسط) التي أطلقها العرب المسلمون لم تكن تعني بالضبط حدود الجزائر الحالية لأن هذه العبارة وأمثالها (المغرب الأدنى، المغرب الأقصى) كانت غامضة غموض حدود الإمارات الإسلامية التي تعاقبت على حكم المغرب العربي.
وتثبت خريطة القرن التاسع السياسية أن المغرب العربي كان تحت نفوذ ثلاث دول رئيسية هي: المرينية والزيانية والحفصية. ومن التسامح فقط القول بأن الأولى كانت تحكم ما هو الآن المغرب الأقصى، وأن الثانية تحكم ما هو الآن الجزائر، وأن الثالثة تحكم ما هو الآن تونس. ذلك أن جزءا كبيرا من الشرق الجزائري اليوم (بما في ذلك قسنطينة وعنابة وبجاية وبسكرة وتقرت) كانت تحت هيمنة الدولة الحفصية، وكان ما يعرف اليوم بالغرب الجزائري تحت نفوذ الدولة الزيانية التي اتخذت قاعدتها تلمسان. أما وسط القطر الجزائري الحالي فقد كان منطقة عازلة بين الحفصيين والزيانيين، ومن ثمة كان منطقة صراع دائم بين القوتين، ولذلك ظهرت فيه إمارات محلية صغيرة كانت تحتفظ بحيادها أحيانا ولكنها كانت في أغلب الأحيان تتبع الأقوى. ولم يكن التنافس والطموح مقصورين على الزيانيين والحفصيين، بل لقد تدخلت في ذلك منافسة وطموح المرينيين أيضا ضد الزيانيين المجاورين تارة وضد الحفصيين البعيدين عنهم تارة أخرى. وهكذا وصلت جيوش المرينيين في بعض الأوقات إلى تونس والزاب وقسنطينة كما وصلت جيوش الحفصيين إلى المدية ومليانة وتلمسان (١).
(١) من المؤلفين الذين وصفوا هجوم الحفصيين على تلمسان الرحالة عبد الباسط بن خليل الذي عاش في تونس وتلمسان خلال السنوات ٨٦٨، ٨٦٩، ٨٧٠، ٨٧١. انظر روبير برونشفيك (نصان من رحلتي ..) باريس ١٩٣٦. انظر أيضا كتابه عن الدولة الحفصية.