للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويضاف إلى هذا التطاحن (الإقلميي) تطاحن (عائلي) مرير وطويل.

فكل أسرة من الأسر المذكورة (المرينية والزيانية والحفصية) كانت في خصومة داخلية مستمرة على الملك والصولة. فالابن ضد أبيه والأخ ضد أخيه وابن العم ضد ابن عمه، والفرع الفلاني ضد الفرع الفلاني، وهكذا. ووسط هذا التمزق العائلي كان الأدعياء والمتآمرون والمغامرون والمستفيدون يزيدون النار حطبا. ولم يكن هذا الحطب سوى العامة التي كانت تطير لكل هيعة وتنصت إلى كل ناعق. وبذلك كثرت الحروب وسادت الفوضى وعمت اللصوصية وارتخى حبل الأمن. وتكشف (الفارسية) لابن القنفذ القسنطيني (ونوازل) المازوني و (معيار) الونشريسي، وكلها معاصرة لهذه الأحداث، عن هذا الوضع المتدهور. وسنشير إلى ذلك في حينه.

ولعله لو اقتصر النزاع على الإقليمية والعائلية لهان الأمر، ولكنه أخذ طابعا دوليا أيضا. ذلك أن عددا من ثغور المغرب العربي قد احتلها البرتغاليون والإسبانيون وأصبحت الثغور الأخرى، وحتى المدن الداخلية، مهددة باحتلالهم. ومن الثغور الجزائرية التي احتلها الأجانب خلال القرن التاسع، تدلس (دلس) وجيجل وعنابة وبجاية ووهران. وقد أصبح هؤلاء الأجانب يتدخلون في الشؤون الداخلية لكل إقليم من الأقاليم الثلاثة ولكل أسرة من الأسر الحاكمة. وبالإضافة إلى ذلك كان أحد الأطراف المتنازعة إقليميا أو عائليا يلتجيء إلى هذا الأجنبي أو ذاك لينصره على خصمه، وكانت سيطرة هؤلاء الأجانب على الطرق البحرية والمسالك التجارية قد اضعفت من الطاقة الاقتصادية للسكان. وكان ضغط الإسبان خاصة على مسلمي الأندلس قد حمل هؤلاء على الهجرة إلى سواحل المغرب العربي مما قلب الميزان الاقتصادي والاجتماعي والسياسي فيه. وسنعرف من خلال دراسة الإنتاج الثقافي اثر التدخل الأجنبي على الأوضاع هناك كما سنعرف اثر الهجرة الأندلسية على الحياة العامة.

٢ - فقد وصف أبو العباس احمد بن القنفذ القسنطيني في كتابه

<<  <  ج: ص:  >  >>