وقد شاع بين الكتاب في هذه الأعوام التمسح بالتاريخ وبالعلم حتى كاد كل من يكتب منهم عملا يدعي أنه توصل إلى نتائجه فيه بالدراسة المنهجية والطريقة الأكاديمية والبحث العلمي ونحو ذلك من التعابير التي تلوكها أقلامهم. وما دروا أن العمل الجدي هو الذي يقدم نفسه بنفسه بدون أوصاف ولا اعتذارات ولا تملق للقراء. أما أنا فحسبي أن أقول إنني جمعت لهذا الموضوع ما استطعت من المواد قرابة ربع قرن ثم عكفت على دراستها ومقارنتها وتمحيصها ثم صغتها، فجاء منها هذا الكتاب. ولا شك أن عملا يغطي هذا المدى التاريخي الواسع وفي هذا الحجم لا يمكن أن يسلم من الفراغات والهفوات، ولكني سأظل، ما دمت حيا، عاكفا على تنقيحه وتهذيبه من المجهود الشخصي ومن تنبيهات واقتراحات الباحثين. ذلك أن البحث لا ينتهي بصدور الكتاب، كما أن الكتاب لا يمكن أن يظل محتجبا في انتظار الانتهاء من البحث، لأن البحث كنهر الحياة لا ينتهي.
وإني إذ أشكر الله تعالى على إعانته لي على إخراجه، أدعوه أن يجعله كتابا نافعا وأن يعينني على إكمال باقيه.